رواية " أيامنا المنسية " ، تأليف ياسر ثابت ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من اجواء الرواية
قراءة كتاب أيامنا المنسية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أزور صديقـًا آخر يشبه ماء زمزم، كلما شربتُ منه شفيتُ وبرئتُ من السَّقَم. في عالم الصداقة، أثق بالصدق لا بالعدد.
لمحتُ باسم جالسـًا فوق سيارته مربعـًا قدميه. بدا متأنقـًا بقميصه الأسود وبنطاله الأزرق، ووسيمـًا، وهو يضع سماعة مشغل الموسيقى في أذنيه، ويجول بعينيه في شريط الأفق. أسأله عما يسمع، فيقول لي ببساطة: فيروز كراوية. يحاول تذكيري بها: البنت التي غنت في "قبل الأوان" في فيلم "أسرار البنات". صوتها جميل وحنون.
يستجيب باسم لدعوتي للتنـزه قليلاً. يقول ضاحكـًا: التأمل فاكهة الحياة.
نلتقي أشرف، وهو يزهو بأزرار قميصه الـ"كارولينا هيريرا"، فينضم إلينا.
أسخر من عطره وأقول له إن رائحته الآن تشبه رائحة الرُضع الوادعين النظيفين الآمنين، فيضحك قائلاً: هذا يعني أنني لن أبكي وأزعجك طوال الطريق.
نمر على حي الزمالك، فلا يستوقفنا سوى صور خدم المنازل وحراسها بوجوههم الشاحبة وعرقهم المعتق، الجالسين على هوامش البيوت والقصور الفاخرة، في انتظار نداء أو أوامر من سادة البيت والمدينة.
يتوقف أشرف فجأة. خانته مثانته في أول الطريق؛ انتحى جانبـًا وأخذ يتبول على حائط مدرسة، وسط سخريتنا. يدير وجهه لنا ويرد مدافعـًا: هل تجدون دورة مياه قريبة؟ أم تريدون مني أن أطرق باب أحد السكان لأستأذنه في أن أقضي حاجتي لديه؟
في الطريق، نقطع أزقة بجدران داكنةٍ وحكايات آيلة للسقوط.
نحاول عبور الشارع وسط خط السيارات الممتد بسرعة، فلا نفلح في ذلك إلا بصعوبة.
نتريض على الكورنيش، مثل عفاريت تثير الشفقة. نحكي ونتضاحك وندُسُ الخيالَ بينَ جوانبِ الحَديث.
ثقل الهواء يُعرِّينا.
يا لهذا الليل الوسيم!
تمتد مربعات الرصيف مبرقشة أمامنا بالمتساقط من أوراق مصفرة وثمار صغيرة مجهولة الاسم، داستها الأقدام المتعجلة. نقف عند نقطةٍ نطل منها على الكتل الصخرية الموضوعة لصد عناد الأمواج. بجوارنا قططٌ راحت تلهو آمنة، تتقافز هنا وهناك، وتداعب الحجارة الصغيرة، وتلعق جسمها بانهماك وتحك فراءها في حواف السور المرتفع للكورنيش.
قرب العوامة التي اصطفتْ فيها المقاعد وفناجين الشاي والقهوة ودخان النارجيلة، نلمح أطياف شباب وشابات على مراكب مزركشة كخلفيات عربات النقل الثقيلة تحمل تطريزات القادمين من مدن الصفيح. موسيقى الطرب الشعبية تصدح، والشُّبان يهمسون ويلمسون، والفتيات الناعمات المتدثرات في أغطية الرأس المشجرة والبنطلونات الضيقة، يتضاحكن وهن يفقدن عذريتهن على مهل.