You are here

قراءة كتاب خطاب الصورة الدرامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب الصورة الدرامية

خطاب الصورة الدرامية

كتاب " خطاب الصورة الدرامية " ، تأليف حسن عبود النخلة ، والذي صدر عن منشورات الضفاف ل

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 10

ثانياً: العنف الجسدي (اجا ممنون والمستجيرات)

لا تعلن مسرحية (برومثيوس مقيداً) لـ(اسخيلوس) عن الموقف النهائي لصورة الانسان في مسرحه، بل انها تكاد تكون المسرحية الوحيدة التي تقدم الانسان وهو يُسِخًر جسده لخدمة البشرية، ويجعل عذابه عوضاً عن حجب المعرفة وشيوعها، بل وتقدم لنا قيمة الانسان وهو محتفظ بنقائه وصفائه الانساني دون ان يعكره شئ، من ارتكاب للآثام وميل الى عقد المؤآمرات وانصراف الجسد للسير خلف نـزواته واشباع رغباته التي لاتمتلك مشروعيتها، فيبقى الجسد محتفظاً بخطابه الإنساني الممتلئ خيراً وعطاء.

ولكن في غالبية المسرحيات الأخرى التي اخترنا منها مسرحية (اجاممنون) و(المستجيرات)، فإن (ايسخيلوس) يسلك فيها مسلكاً مغايراً تماماً لما سبق وان طرحه في مسرحية (برومثيوس مقيداً)، فالجسد في مسرحية (اجاممنون) يعمل على اقتراف الآثام ويسعى لسفك الدماء بقصدية كاملة وارادة واعية، ومن اجل قضايا تتصل بإرضاء مصالح شخصية لا تمتلك اثراً عاماً سوى بلوغ الغايات الذاتية. اي ان الاجساد لا تلاقي حتفها من اجل قضية تبرر ما حل بها، قضية تجعل ما يحل بها يكون مقبولاً وحلاً لا استعاضة عنه. بل على العكس أن ما تقدم عليه الاجساد من ارتكاب للآثام يثبت ادانتها وتقصيرها وافتقارها الى الحنكة الفكرية التي شهدناها مسبقا مع (برومثيوس)، فالشخصيات بدأت تستفيد من فكرها ولكن لبلوغ انتصارها الشخصي اياً كانت النتائج المترتبة على هذا الأمر، ومهما كانت فداحة الخسائر. او انها لا تُفعلُ الجانب الفكري، فتصبح نتيجة لذلك أسيرة للأحقاد والضغائن وإرضاء الغرور والكبرياء التي يتولد عنها خلق للصورة الدرامية عبر الزج بالجسد بأكثر المواقف وحشية ودونية حتى لو كان هذا الأمر على حساب ما هو صحيح وعادل.

فـ(اجاممنون) بوصفه محارباً وملكاً شديد الكبرياء لم تثنه شفقة او عاطفة عن ذبح ابنته (افيجينا) وتقديمها قربانا للالهة (ارتميس) كي تأمر الرياح ان تعاود نشاطها وحركتها، ليتمكن من قيادة اسطوله الحربـي الى طروادة ويسترد (هيلانه) زوجه اخيه (مينلاوس) التي هربت مع عشيقها (باريس) بعد ان حل عليهم ضيفاً وقامت وطائد العلاقة الخائنة بينهما. و(اجاممنون) بإقدامه على هذا الفعل لم يأخذه وازع من شفقة على ابنته، ولا على الالاف من البشر الذين ستلتهمهم نيران الحرب بديلاً عن استرجاع امرأة خائنة فانية الاخلاق، بقدر ان شغله التفكير بمجده كمحارب وقائد للجيش.

وفي الوقت الذي نطلع فيه على خيانة الجسد من (هيلانه) فإننا نلمس ما يلعبه هذا الموقف من دور في التأسيس لكل ما سيعقبه من احداث وعلى ما سيُقدم عليه الجسد من خطاب. فخيانة الجسد هذه هي المحرك الاساس لاندفاع (اجامنون) صوب الحرب وبالتالي هي من قادت الى انتزاع الروح من جسد (افيجينا) كشرط للخوض في غمارها. وهي ايضا من ادت الى ما اعقبها من تساقط للآلاف من الاجساد في الحرب الطروادية. وتلا هذا الامر خيانة جسدية اخرى اقدمت عليها (قلوطمنسترا) سعياً لإرضاء ذاتها بالانتقام من زوجها (اجاممنون) بفعل قتله ابنتهما (افيجينا)، ولم يكفها هذا الامر فقتلت (اجاممنون) حال عودته من المعركة وهو يحمل بفخر وغرور انباء نصره على الطرواديين.

كل هذه التصفيات الجسدية تؤسس الى خطاب صوري درامي متحرك في غاية القسوة والبشاعة، يرسم شخصيات تخلو من الحكمة وتفتقر الى النبل، فبالدرجة الاولى ان كل ما حل بالأجساد جاء تحقيقا لنـزوات شخصية. ومن ناحية أخرى لم نشهد موقفاً واحداً يبرهن على جوهر إنساني نبيل يسعى الى تحقيق قضية تصب في مصلحة الصالح العام، او فيه تصحيح لما هو خاطئ. بقدر الوقوع بالأخطاء والخوض بالآثام دون اكتراث او محاسبة. وعلى الرغم من إذعان (اجاممنون) لمطالب الالهة ومسايرته إياها، وارتكابه الإثم بإزهاقه روح ابنته (افيجينا)، غير ان موقف (قلوطمنسترا) جاء على الضد منه، فقد انطوى موقفها على تأكيد الخروج عن إرادة الآلهة وعدم الالتزام بمطالبها. فعملت على قتل من ارتضى بتنفيذ تلك المطالب، وأسلمت جسدها إلى الشهوة والخيانة.

وكما اسلفنا ان الشخصيات في الاغلب الاعم عند (ايسخيلوس) تسعى الى ما يخدم اغراضها الشخصية ولا تدرك الا معاناتها. وهي هكذا ايضاً في مسرحية (المستجيرات) في أصلها الأسطوري [8]حيث لا تتردد بنات (دانوس) الخمسين، الا واحدة منهن، عن قتل أبناء عمهن الذين تزوجوا بهن عنوة، بعد ان يأمرهن أبوهن ان يتظاهرن بالرضا على هذه الزيجة، على ان تحمل كل واحدة منهن خنجراً لتسدده الى جسد زوجها في ليلة الزفاف. ورفض (دانوس) زواج ابناء (اجيتوس) الخمسين من بناته الخمسين، يعود لإعتقاد الأخير ان أخاه يريد هذا الامر طمعاً في الملك. ويكون ضحية هذا الامر تسعة واربعون جسداً. يضاف لهما جسد (دانوس) الذي يلاقي حتفه على يد احد ازواج بناته بعد ان تتردد ابنته عن قتله وتخبره بحقيقة مطالب ابيها، فيعمل على القصاص منه وعلى هذا الصعيد تتعدد الصور الدرامية ولكنها لا تبث سوى خطاب متكرر قوامه الاحتيال والغدر، والدموية التي لاترى إلا ذاتها عبر ازاحة شاملة لكل ما يكون عائقاً أمام هذه الذات.

Pages