You are here

قراءة كتاب أنماط الديمقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنماط الديمقراطية

أنماط الديمقراطية

كتاب " أنماط الديمقراطية " ، تأليف أرند ليبهارت ، ترجمة 

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

النموذج التوافقي في الاتحاد الأوروبي

لا يمكن تصنيف المؤسسات الرئيسة للاتحاد الأوروبي إلى أجهزة تنفيذية وتشريعية وقضائية ونقدية بالسهولة التي صنّفنا فيها الدول السيادية الخمس التي تناولناها حتى الآن. وينطبق هذا خاصة على حالة المجلس الأوروبي (لا ينبغي الخلط بينه وبين مجلس الاتحاد الأوروبي الذي سيأتي وصفه لاحقًا) والذي يتألف من رؤساء حكومات الدول السبع والعشرين الأعضاء - أكثر الزعماء السياسيين البارزين في أوروبا (كريباز وشتاينر 2011، 287) - والذين يجتمعون مرتين على الأقل سنويًا. إنه أقوى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ومعظم الخطوات التي تمت في طريق إنشاء الجماعة الأوروبية، أو الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من عام 1993، بدأت من المجلس الأوروبي. وكانت رئاسة المجلس مناوبة بين الأعضاء كل ستة أشهر، لكن معاهدة لشبونة في عام 2007 جاءت برئيس دائم للمجلس الأوروبي - يسمى أيضًا رئيس الاتحاد الأوروبي - يُنتخب لمدة عامين ونصف العام. وكان أول رئيس، انتُخِب في عام 2009، هو رئيس الوزراء البلجيكي هيرمان فان رومبي. ومن بين المؤسسات الأخرى، تعمل المفوضية الأوروبية ذراعًا تنفيذية للاتحاد الأوروبي ويمكن تشبيهها بمجلس وزراء؛ أما البرلمان الأوروبي فهو المجلس الأدنى للهيئة التشريعية؛ فيما يمكن اعتبار مجلس الاتحاد الأوروبي المجلس الأعلى لهذه الهيئة. ونجد المسؤوليات التي تضطلع بها محكمة العدل الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي واضحة من أسمائها فلا حاجة إلى شرحها.

1- تقاسم السلطة التنفيذية في مجالس وزراء ائتلافية موسَّعة: تتألف المفوضية الأوروبية من سبعة وعشرين عضوًا، لكل منهم مسؤولية وزارية معينة، وتعيّنهم حكومات الدول الأعضاء. ونظرًا لأن كل الدول السبع والعشرين المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي ممثّلة في المفوضية، فإن المفوضية تعتبر ائتلافًا دوليًا واسعًا ودائمًا. ومن الناحية العملية، تعتبر المفوضية أيضًا ائتلافًا يوحّد أقطاب اليسار والوسط واليمين في الطيف السياسي في أوروبا.

2- توازن السلطتين التنفيذية والتشريعية: عقب كل انتخابات برلمانية يتم إجراؤها كل خمس سنوات، يتعيّن الموافقة على المفوضية الأوروبية الجديدة من خلال تصويت في البرلمان الأوروبي. وللبرلمان كذلك القدرة على رفض المفوضية، ولكن بأغلبية ثلثي الأعضاء. ويملك البرلمان صلاحيات قوية في وضع الميزانيات، قوّتها معاهدة لشبونة لعام 2007؛ ففي 95 في المئة من التشريعات الأوروبية، أصبح البرلمان مشرّعًا مشاركًا متساويًا مع مجلس الاتحاد الأوروبي الأكثر قوة والمكوّن من وزراء من حكومات الدول الأعضاء السبع والعشرين. ويطلق جورج تسيبيليس وجانيت موني (1997، 180) على هذا المجلس «المكافئ الأوروبي لمجلس تشريعي أعلى». ومن الواضح أن المجلس هو الأقوى بين المؤسسات الثلاث. وإجمالًا، تعتبر المفوضية أقرب إلى شريك مكافئ في النموذج التوافقي من مجلس وزراء مُهيمن في نموذج وستمنستر.

3- النظام المتعدّد الأحزاب: تضمّن البرلمان الأوروبي بأعضائه البالغ عددهم سبعمئة وستة وثلاثين عضوًا، سبعة أحزاب معترفًا بها رسميًا (يشترط أن يتألف كل منها من خمسة وعشرين عضوًا بحد أدنى من سبع دول للاعتراف بها) بعد انتخابات 2009. وكان أكبر هذه الأحزاب هو حزب الاشتراكيين الأوروبيين (أكثره من الديمقراطيين المسيحيين) الذي يستحوذ على ما يقرب من 36 في المئة من المقاعد في البرلمان - أي أقل بكثير من أن يشكل أغلبية برلمانية. أما الحزب التالي من ناحية الحجم فكان الحزب الاشتراكي بحوالى 25 في المئة من المقاعد، يليه الليبراليون بحوالى اثني عشر مقعدًا. ولم يحصل أي من الأحزاب الأخرى على أكثر من 10 في المئة من المقاعد. ونجد أن التفتّت السياسي أكبر مما يظهر عليه في هذا النموذج المتعدّد الأحزاب نظرًا لأن الأحزاب في البرلمان الأوروبي أقل تماسكًا وانتظامًا بدرجة كبيرة من الأحزاب في البرلمانات الوطنية. وتتغيّر البنية الحزبية لـ «المجلس الأعلى»، وهو مجلس الاتحاد الأوروبي، مع تغير مجالس وزراء الدول الأعضاء، كما تتغير أيضًا حسب الموضوع الخاضع للمناقشة، والذي يحدد أيًّا من الوزراء سيحضر أي جلسة؛ فمثلًا إذا كانت السياسات الخاصة بالمزارع على جدول أعمال المجلس، فسيحضر على الأرجح جلسات هذا الموضوع وزراء الزراعة الوطنيون. ويُعتبر المجلس، من الناحية العملية، هيئة متعدّدة الأحزاب في الوقت نفسه.

4- التمثيل المتناسب: كان البرلمان الأوروبي يُنتخب انتخابًا مباشرًا منذ عام 1979، ومن المفترض أن يتم انتخابه في كل دولة وفقًا لنظام انتخابي موحّد، بيد أن الدول الأعضاء لم يتسنَّ لها الاتفاق على نظام بهذه الصفة. ومع ذلك، فإن الطريقة السائدة تطالعنا كأحد أنواع التمثيل المتناسب، ويُستخدم التمثيل المتناسب في كل الدول الأعضاء، بما في ذلك بريطانيا العظمى منذ 1999. ومع ذلك، يؤدي التمثيل المفرط للدول الصغيرة والتمثيل المهمّش للدول الكبيرة في البرلمان الأوروبي إلى قدر من عدم التناسب. فألمانيا كان لها ستة وتسعون مندوبًا في البرلمان الأوروبي ولمالطا ستة مندوبين فقط، مع أن عدد سكان ألمانيا أكبر من عدد سكان مالطا بحوالى مئتي مرة. وفي هذا الصدد، يجمع البرلمان الأوروبي، في هيئة تشريعية واحدة، مبادئ التمثيل المتناسب والتمثيل الوطني المتساوي، والمتجسدة، على سبيل المثال، في سويسرا في صورة هيئتين منفصلتين للتشريع.

5- مؤسّساتية جماعات الضغط: لم يطوّر الاتحاد الأوروبي بعد منظومة مؤسّساتية متكاملة، ويرجع السبب الأقوى في ذلك إلى أن أغلبية القرارات الاجتماعية الاقتصادية لا تزال تتخذ على المستوى الوطني أو تخضع للنقض الوطني. ومع اتجاه الاتحاد الأوروبي بدرجة أكبر نحو تحقيق التكامل، فإن مستوى المؤسّساتية سوف يرتفع على الأرجح. وفي كتاب مايكل ج. جورج المعنون «المؤسساتية الأوروبية؟» نجد أن علامة الاستفهام جاءت مقصودة، وقد أجاب جورج عن هذا التساؤل بالنفي متحدثًا عن الوضع الحالي، بيد أنه يرى كذلك عناصر مؤسساتية في قطاعات معينة فضلًا عن رؤيته توجّهًا واضحًا نحو إقرار درجة أكبر من المؤسساتية. ومن العوامل المهمة أن المفوضية الأوروبية فضلت طويلًا نظام تفاوض مؤسساتيًا مع جماعات الضغط. فمثلًا، رعت المفوضية سلسلة من المؤتمرات الثلاثية الأطراف خلال السبعينيات، ورغم أن هذه المؤتمرات لم تثمر عن إضفاء الطابع المؤسسي على المساومات الثلاثية الأطراف، «إلا أن المفوضية لم تتخلَّ قط عن هدفها في دفع حوار بين الشركاء الاجتماعيين وتحسين مشاركتهم في آلية صنع القرار في الجماعة الأوروبية» (جورج 1996، 139). وتصف فيفيان أ. شميدت (2006، 104) نظام جماعات الضغط الأوروبي الحالي بأنه أغلبي أكثر مما هو مؤسساتي، لكنها تقول أيضًا «يتمتع الفاعلون المجتمعيون الأوربيون بأغلبية هي أكثر تقاربًا وتعاونية من تلك الأغلبية العالية الموجودة في الولايات المتحدة». بالمثل، ولكن بتعبير أكثر إيجابية، تجد جيردا فالكنر (2006، 223) أدلة على أن «البدائل المؤسساتية لشبكات السياسة ليست غريبة على الاتحاد الأوروبي».

6- الحكومة الفدرالية واللامركزية: مقارنة بالمنظمات الدولية الأخرى، يتصف الاتحاد الأوروبي المتخطي للحدود القومية بوحدته ومركزيته الكبيرة، ولكن مقارنة بالدول القومية - حتى اللامركزية منها كسويسرا - يظل الاتحاد الأوروبي «كونفيدراليًا» أكثر منه «فدراليًا» فضلًا عن كونه شديد اللامركزية.

7- ثنائية التمثيل القوية: يتمثل المعياران اللذان يحكمان ثنائية التمثيل القوية في أن مجلسي التشريع متساويان في القوة ومُختلفان في البنية. وينطبق على هيئة الاتحاد الأوروبي التشريعية المعيار الثاني دون صعوبات: حيث يتمتع المجلس بتمثيل متساوٍ للدول الأعضاء ويتألّف من ممثّلين للحكومات الوطنية، فيما يتم انتخاب البرلمان انتخابًا مباشرًا من الناخبين ويتم تحديد حجم الوفود القومية حسب تعداد السكان. وفي الهيئات التشريعية الوطنية، تميل الانحرافات عن القوة المتساوية إلى أن تصب في صالح المجلس الأدنى. وفي الاتحاد الأوروبي، يأتي الأمر بشكل معاكس: فالمجلس الأعلى (المجلس) يكون أكثر قوة من المجلس الأدنى (البرلمان)، حتى بعد معاهدة لشبونة التي جاء ذكرها من قبل - بشكل لا يتوافق تمامًا مع النموذج التوافقي، وحتى بدرجة أقل مع نموذج الأغلبية.

8- الجمود الدستوري: يتألف «دستور» الاتحاد الأوروبي من المعاهدة التأسيسية للجماعة الاقتصادية الأوروبية، والموقّعة في روما في عام 1957، ومن سلسلة من المعاهدات السابقة والتالية. ونظرًا لأن هذه المعاهدات دولية، فلا يمكن تغييرها إلا بموافقة كل الأطراف الموقّعة عليها. ومن ثم فهي تتّسم بالجمود الشديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم القرارات المهمة في المجلس تستلزم إجماعًا؛ وبالنسبة إلى المسائل الأقل أهمية، أصبح من الشائع منذ الثمانينيات اتخاذ قرارات بـ «تصويت الأغلبية المؤهلة»، أي بأغلبية الثلثين وبواسطة نظام تصويت مرجّح (يشبه التخصيص المرجّح للمقاعد في البرلمان الأوروبي).

9- المراجعة القضائية: تعتبر محكمة العدل الأوروبية من المؤسسات المهمة في الاتحاد الأوروبي. وللمحكمة حق المراجعة القضائية، وبوسعها الحكم بعدم دستورية كلّ من قوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين الوطنية إذا ما انتهكت المعاهدات المتنوّعة للاتحاد. وعلاوة على ذلك، فإن أسلوب المحكمة إزاء مهامها القضائية كان خلّاقًا وناشطًا. وقد كتب أليك ستون سويت (2004، 1) أن المحكمة «ليس لديها منافس كأقوى هيئة فوق قومية في تاريخ العالم، وعلى مستوى عالٍ مقارنة بأقوى المحاكم الدستورية في أي مكان».

10- استقلالية البنك المركزي: صُمّم البنك المركزي الأوروبي، الذي بدأ العمل في عام 1998، بحيث يكون بنكًا مركزيًّا متمتعًا بدرجة عالية من الاستقلالية؛ وفي الواقع، فقد كتبت مجلة الإيكونوميست (في عددها الصادر في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 1997) تقول: «إن دستوره يجعله البنك المركزي الأكثر استقلالية في العالم». فهو حامي العملة الأوروبية الموحّدة، اليورو، المتداولة في سبع عشرة دولة من أعضاء الاتحاد الاوروبي. بلغ رصيد البنك الذي حسبه كرستوفر كرو وإيلين إي. ميد 0,83 على سلم كوكيرمان وهذا أعلى بكثير من رصيد أيّ من البنوك الوطنية المركزية المذكورة في وقت سابق في هذا الفصل وفي الفصل الثاني.

وفي بداية هذا الفصل، كنت قد أكّدت أن نموذج الأغلبية لا يتوافق مع احتياجات المجتمعات التعدّدية ذات الانقسام الداخلي الشديد. ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي يشكّل مجتمعًا تعدديًّا: «إن الفروق الوطنية العميقة والمتأصّلة، والتي تعد اللغة إحداها، لم تختفِ في أوروبا ولن تختفي» (كيرشنر 1994، 263). فلم يكن مستغربًا أن تتوافق مؤسّسات الاتحاد الأوروبي بدرجة كبيرة مع النموذج التوافقي أكثر مما تتوافق مع نموذج الأغلبية (كولومر 2010، 67-72 وهيندريكس 2010، 76-77). ويتكهّن كثير من المراقبين بأن يتحوّل الاتحاد الأوروبي في النهاية إلى دولة فدرالية، نتيجة لتبني عملة مشتركة بخاصة. فعلى سبيل المثال، يؤكد مارتن فيلدشتاين (1997، 60) أن «الأثر الجوهري طويل الأجل المترتّب على تبني عملة موحّدة سوف يكون خلق اتحاد سياسي، أي دولة فدرالية أوروبية مسؤولة عن السياسة الخارجية والأمنية لأوروبا، فضلًا عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المحلية الحالية». فإذا نما الاتحاد الأوروبي وتحول إلى دولة أوروبية ذات سيادة، فإن مؤسساته سوف تتغيّر على الأرجح . فالبرلمان الأوروبي مثلًا سوف يصبح، على الأرجح، هيئة تشريعية أكثر قوة، لكن ليس من المرجح أن ينحرف بعيدًا عن النموذج التوافقي، ومن المؤكد تمامًا أنه سيتخذ شكل ولايات متحدة فدرالية أوروبية.

Pages