من المفترض أنني مت، وأن آخر أنفاسي قد صعد إلى السماء، وأنني لن أستطيع فتح عيني مرة أخرى لرؤية هذا العالم، ولا أعرف أيضاً إن كنت لا أزال أتنفس بانتظام ونبضات قلبي تتسارع في مهامها اليومية.
You are here
قراءة كتاب الحمامة بعباءتها السوداء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الحمامة بعباءتها السوداء
الصفحة رقم: 1
من المفترض أنني مت، وأن آخر أنفاسي قد صعد إلى السماء، وأنني لن أستطيع فتح عيني مرة أخرى لرؤية هذا العالم، ولا أعرف أيضاً إن كنت لا أزال أتنفس بانتظام ونبضات قلبي تتسارع في مهامها اليومية.
استيقظت من نومي الآن –والذي لا أعلمه إن كان نوماً أم لا- كنت قد فقدت موتي، هل رأى أحدكم موته كيف يغادره...؟ لكل منا موته الخاص... اللحظة الراهنة للقبض على الروح وانتشالها من صندوقها... الجسد...! شاهدت موتي في حلمي ولست متأكدة من كوني في حالة يقظة أم نوم...؟ المهم أنني كنت على وشك أن ألتحم بموتي قبل أن يفر، الموت والحياة مثل عقربي الساعة في حالة ركض مطارد، وأنا كنت ميناءهما...، من سيسبق الآخر؟، ليس الخلود هو وجه الحياة الآنية، وليس الموت هو النهاية التي ننتظرها...، هذا ما قالته نفسي، وطفقت أردد للموت أشكالاً لا نفقه التعامل معها... كنت أفكر بالشكل الذي سوف أتخذه في موتي: الموت الطبيعي، الموت وأنا أحلم، هل كنت سأموت وأنا أحلم؟ ما نوعية هذه الأحلام؟، أم أن موتي سينبعث من بين رماد الأحرف بينما أكتب، وربما قد يمازحني الموت حيث أكون غارقة في عملي أغني للأوراق لغة لا يفقهها البشر...، وربما الموت الآخر حين تثور الطبيعية بكوارثها المتعددة، أم سيكون موتي شرساً يقصيني في حرب ضروس، أو ربما هرستني عربة على قارعة الطريق وأنا في حالة شرود كما اعتادوا أن ينبهوني، لكن الموت السريع لن يسمح لهم بفعل ذلك!، أو ربما وقعت فريسة لمرض بات يرافقني منذ ولادتي، يمتصني كامتصاص النحل للزهرة. لكن أي شبه بين مرضي والنحلة، النحلة تمتص رحيق الزهرة، تصنع منه العسل الشهي اللذيذ، بينما المرض يحيلني إلى شخص لا يثق بهذا العالم الذي يحيط به كسوار من نحاس. هذا العالم المليئ بالأسرار المرئية إلى حد البوح، المخفية إلى حد التلاشي، وربما كان موتي رحيماً كموت الصالحين...، الصالحين...! قهقهت كثيراً بينما كنت أتساءل: ما الذي تحمله هذه اللفظة من دلالات...؟ كلما مات أحد من هذا البلد حملوا موته القداسة وكأنه ذاهب للجنة مباشرة أوليس من الصالحين..؟
ليلة البارحة مات جارنا في حادث مزقه أشلاء، سحقته السيارة بعجلاتها كأقدام تسحق ذبابة، حملوه وهم يهللون قالوا: "هو رحمة الله... كان إمام المسجد، وكان رجلاً ملتحياً و... و... و...، قلت...! هل قلت لهم حقاً أنه كان يأكل أموال اليتامى بحكم أنه مسؤول مخول من قبل الجهات الخيرية الرسمية عن فقراء ويتامى الحي، الجهات الخيرية التي لا أثق في التعامل معها، جهات محمولة على الشك، موظفوها أصحاب كروش ضخمة حتى ظننت أنهم يخبئون الأموال في بطونهم، الأموال التي تأتي من طرق ملتوية تجعل البطون في مدة وجيزة كالتلال. أخبرتني العجوز السبعينية، التي ليس لها من يعولها، أنها قد ذهبت لتقبض حصتها من المساعدة الاجتماعية فأخبرها أنه لا يوجد معه شيء ولم ينقدوه أي مبالغ مخصصة لها أو لسواها ..!
قالت: "الناس في كل مكان قبضوا حقهم..."، فما كان منه إلا أن انزعج وقام بطردها من الحجرة، وبينما كانت تسير توقفت أمام الباب وقالت له: "حسبي الله ونعم الوكيل فيك...".
في اليوم التالي سحق الإمام، مامن أحد سأل عن المرأة العجوز، الجميع كان منشغلاً بخطاب الإمام الميت...!
ما الذي قاله الإمام قبل موته؟ وبأي لغة خاطب تلك العقول التي لا تسمع، وليس لديها نية لرؤية ما ينبغي قوله؟