التصوف كفلسفة والتصوف كسلوك هذا ما نريده من دراستنا المتواضعة هذه والتي هدفنا من خلالها أن نوضح الأسس الموضوعية التي بني عليها مذهب التصوف وقد نعتناه بالمذهب وهو بالواقع لم يكن مذهباً متميزاً من المذاهب الإسلامية لأن التصوف لم يقتصر كفلسفة واقعية على الإسلا
You are here
قراءة كتاب الصوفية وسبيلها إلى الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
2ً _ هناك قول أن الصوفية تنتسب إلى رجل يدعى صوفه واسمه الغوث بن مر لأنه كان ينفرد بخدمة الله تعالى عند البيت الحرام . وروي عن صوفة هذا أن أمه كانت لم يعلق لها ولد قبله فنذرت أنه إن سلم لها ستعلق في رأسه صوفة وتجعله ربيط الكعبة ففعلت وقيل له صوفة ومن بعده قيلت لولده .وفي رواية أخرى أن أمه كانت أم تميم بن مر لا يعيش لها ولد فنذرت إن ولدت فستعبدنه للبيت وعندما ولدت الغيث بن مر ربطته عند البيت فأصابه الحر فمرت به وقد سقط واسترخى فقالت ما صار ابني إلا صوفة فسمي صوفة .
3ً _ الفرض الثالث نسبتها إلى الصفاء وهذا يشير إلى صفاء النفس وتنقيتها ورجوعها إلى جوهرها . قال أبو الفتح البستي (9) :
تنازع الناس في الصوفي و اختلفوا
فيه وظنوه مشتقاً من الصـوف
ولست أنحل هذا الاسم غـير فتى
صافى فصوفي حتى لقب الصوفي
4ً _ أما المعنى الرابع فيعيدونه إلىكلمة صوفيا اليونانية ومعناها الحكمة(10) .
وكان أبو الريحان البيروني قد قال في ذلك ومن المستشرقين أيضاً قول هامر حيث نسبوا التصوف إلىكلمة صوفيا ومنها عرفت الفلسفة على أساس أنها محبة الحكمة . وكانت الحكمة تعني كل العلوم التي كانت معروفة وأخذها العرب عن اليونان ولكن اهتموا اهتماماً كبيراً بالعلوم الروحانية التي يمكن أن تكون الحكمة الروحانية تعني التصوف . ولعل قول هامر أطلق على بعض المتصوفة الهنود اسم الحكيم العاري لما كان يتصف به هؤلاء من مجاهدة وزهد في حياتهم . وبعد عن كل ملذات الدنيا ولعل البيروني أكثر القدماء تحمساً في نسبة المتصوفة إلى الاسم اليوناني صوفيا ولعله ينفرد في هذا الأمر بين المفكرين القدماء .
وقال آخرون أن الصوفية ترجع إلى الصوفان وهي نبتة تنبت في الصحراء وقال البعض أنها تعود إلى الصفة والصفة هي مسجد الرسول في المدينة .
ويؤكد السراج الطوسي أبو نصر أن الصوفية سموا كذلك نسبة للباس وهو لباس الصوف الذي اتخذوه شعاراً لهم حيث قال في (كتابه اللمع ) : "إذا سأل سائل فقال قد نسبت أصحاب الحديث إلى الحديث ونسبت الفقهاء إلى الفقه فلما قلت الصوفية ولم تنسبهم إلى حال ولا إلى علم ولم تضف إليهم حالاً كما أضفت الزهد إلى الزهداء والتوكل إلى المتوكلين والصبر إلى الصابرين فيقال له :لأن الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع ولم يترسموا برسم من الأحوال والمقامات دون رسم وذلك لأنهم معدن جميع العلوم ومحل جميع الأحوال المحمودة والأخلاق الشريفة سالفاً ومستأنفاً وهم مع الله في الانتقال من حال إلى حال مستجلبين للزيادة فلما كانوا في الحقيقة كذلك لم يكونوا مستحقين اسماً دون اسم . فلأجل ذلك ما أضفت إليهم حالاً دون حال ولا أضفتهم إلى علم دون علم لأني لو أضفت إليهم في كل وقتٍ حالاً ما وجدت الأغلب عليهم من الأحوال والأخلاق والعلوم والأعمال وسميتهم بذلك . ولكان يلزم أن أسميهم في كل وقت باسم آخر وكنت أضيف إليهم في كل وقت حالاً دون حال علي حسب ما يكون الأغلب عليهم . فلما لم يكن ذلك نسبتهم إلى ظاهر اللبسه لأن لبسة الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام وشعار الأولياء والأصفياء ويكثر في ذلك الروايات والأخبار فلما أضفتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك اسماً مجملاً عاماً مخبراً عن جميع العلوم والأعمال والأخلاق الشريفة المحمودة ".
ثم يقول السراج في معنى التصوف حيث ينسبه أيضاً إلى الصفاء : "قالت طائفة إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها وقال بشر بن الحارث (الملقب بالحافي : مات ببغداد سنة 227) (12) الصوفي من صفا قلبه لله .وقال بعضهم الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته . وقال قوم سموا صوفية لأنهم في الصف الأول بين يدي الله عز وجل لارتفاع هممهم إليه وإقبالهم بقلوبهم عليه ووقوفهم بسرائرهم بين يديه . وقال قوم إنما سموا صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال قوم إنما سموا صوفية للبسهم الصوف . وأما نسبتهم إلى الصفة والصوف فإنه عبر عن ظاهر أحوالهم وذلك لأنهم قوم تركوا الدنيا فخرجوا عن الأوطان وهجروا الإخوان وساحوا في البلاد وأجاعوا الأكباد وأعروا الأجساد ولم يأخذوا من الدنيا إلا ما لا يجوز تركه من ستر عورة وسد جوعة . فلخروجهم من الأوطان سموا غرباء ولكثرة أسفارهم سموا سياحين ومن لبسهم وزيهم سموا صوفية لأنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لان مسه وحسن منظره وإنما لبسوا لستر العورة فتحرروا بالخشن من الشعر وبالغليظ من الصوف " (13) .