تاريخ الزهد والتصوف :

 

كان عصر ما قبل الإسلام والذي أطلق عليه عصر الجاهلية عصراً مليئاً بالتناقضات الفكرية والاقتصادية والسياسية . فمن الناحية الفكرية عرفت الجزيرة العربية ندوات فكرية كانت عن طريق الأسواق التي تعرض فيها كل أنواع التجارة وكانت أسواقاً أدبية وفنية تشكل هذه الأسواق ظاهرة إعلامية وتسويقية وثقافية كانت تعقد في أيام من السنة معروفة يجتمع بها الناس من كل أجزاء الجزيرة العربية لمشاهدة هذه الأسواق . وكان الخطباء يلقون خطبهم أمام الناس والشعراء يتنادمون في شعرهم أمام الناس ويتبارون في ذلك . وكانت في الجزيرة العربية تنتشر كل الأديان المعروفة في ذلك الزمان من وثنية وإبراهيمية ومسيحية ويهودية وغير ذلك . وكان بين أصحاب هذه الديانات من كانوا يزهدون أو يترهبون طلباً للقرب من الخالق وقد اشتهر عدد من الزاهدين وكانت قد انتشرت قبل الرسالة النبوية أنه سيظهر في الجزيرة العربية نبي مرسل ليهدي البشر فانتشر الانزواء والتطلع إلى السماء طلباً للوحي الإلهي وقد عرفنا من هؤلاء ورقة بن نوفل ، وقس بن ساعدة الأيادي ودريد بن الصمه الشاعر وغيرهم . وقد بدأ رسول الله (ص) زاهداً متعبداً قبل أن تأتيه الرسالة السماوية . وكان يلجأ إلى غار حراء وحيداً منفرداً في تعبده وتطلعه إلى الإلهام السماوي . وبعد أن نزل الإلهام السماوي على الرسول وجد الرسول له أنصاراً من اللحظات الأولى للرسالة وكان من أولهم زوجته خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب ابن عمه وزيد بن حارثة خادمه وصديقه أبو بكر الصديق . ثم توسعت دائرة الإسلام بطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وحمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والبراء بن عازب وعمار بن ياسر وغيرهم من الصحابة الذين كانوا من قبل ينظرون إلى الأخطاء التي يحتوي عليها المجتمع العربي . وبدأ الرسول يستقطب الفقراء والمستضعفين في الأرض . ولا يخلو ذلك من دخول بعض تجار قريش في الدين الجديد ولكن قد أخذ طابع الصراع بين الأرستقراطية العربية القديمة المتمثلة ببني أمية ومن حالفهم وبين بني هاشم الذين يمثلون الحركة المضادة ولهذا الأمر تفسيراته الاقتصادية والسياسية . ولكن النظرة التي كان يخاف منها القريشيون من الدين الجديد هي الخوف علي مصالحهم الطبقية وأوضاعهم الاقتصادية .