كتاب " سنابل وقنابل " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
زوجونـــي!.. زوجوني!..".
ما برح صدى هذا النداء الطنان الملحّ، والمفجع في الوقت ذاته، يتردد في ذهني مثل طنين البعوض المزعج، وكما يتردد هذيان الكوابيس المبرحة تحت ضغط آلام الحمى الفظيعة، دون أن أعي مصدر هذا الهذيان، ولا ما كان مبعثه أو المقصود منه.. هل المسألة تتعلق بزوجتي الألمانية المخطوفة في الحاجز الأمني المزيف، أم بخيزران تلك السبية التي تحررت معي من مخالب الدمويين؟..
حصل ذلك، وأنا أضع قدمي على عتبة باب مقر التحريات ومكافحة التجسس على الساعة السادسة مساء، استجابة لاستدعاء غريب في تحديده لزمن المقابلة تحت جنح الظلام، وذلك ما لم نعهده من الإدارات في تعاملها اليومي مع المواطنين. لقد كنت في الموعد المضروب طبعا، بعد يوم من العمل المضني، إذ مَن منا نحن المواطنين العزل يملك أن يتجافى عن الانصياع لاستدعاء ورد إليه من مصالح الأمن ذات اللهجة الآمرة الملازمة لمعاني البطش والقهر؟..
أعرف أن من فنيات الاستجواب، أن يرهق المستجوب بالانتظار حتى ينضج للاعتراف وينهار، ويدلي بكل ما في تلافيف مخه من معطيات ومن طيات ضميره من معلومات ومواقف.. وإذا كان في الأورام ورم حميد وآخر خبيث، فكذلك المستجوَبون، وأنا في الواقع لست مستجوَبا خبيثا ولا عدوا مبينا، بل أنا مستجوَبٌ حميد ومتعاون.. لكن الاستجواب يظل دائما هو الاستجواب، إن كان مع العدو المشاكس، أو مع الصديق المتعاون المطواع؟..
تاريخ اليوم هو السبت 11 ديسمبر 1998
مشاركات المستخدمين