أنت هنا

رائعة ماركيز "ساعة نحس" حين هدمت نشرات الفضائح عرش الطاغية

رائعة ماركيز "ساعة نحس" حين هدمت نشرات الفضائح عرش الطاغية

" كنا نشكو طوال سنوات من أن شيئا  لا يحدث في هذة البلدة ، و فجأة بدأت المأساة ، كما لو كان الرب قد أعد  كل شئ بحيث إن ما كف عن الحدوث طوال سنوات طويلة يبدأ في الوقوع  "هكذا كان حال قرية  "ماكوندو" القرية الأسطورية التي تقع بها أحداث  معظم روايات الكاتب الكولومبي الكبير " غابرييل جارسيا ماركيز". ونحكي هنا عن "ساعة نحس" الرواية من أعمال ماركيز المبكرة، والتي كانت أساسا لرواياته بعد ذلك.
تدور أحداث ساعة نحس في قرية تعيش في حالة حصار في زمن ديكتاتوري حيث يسيطر الجيش على السلطة بيد من حديد، فالقرية تحكمها حكومة طوارئ  بعد فترة من الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية، لكن تحدث أشياء تقلب حياة القرية رأسا على عقب، فلا أحد يدري ماذا يدور خلف الأبواب وفي الطرقات. في بداية الرواية تشعر بأن القرية وساكنيها غارقون في السكون،  ولكن مع دقات أغنية  "سيفيض البحر بدموعي" التي دوت في القرية، يتحول الهدوء لثورة وفيضان، وعندما يصبح  الألم حصيناً في مواجهة المسكنات، فالإنفجار هو المنتظر .
 فإذا القرية تستيقظ ذات يوم على مقتل "باستور" العازف الشاب الذي اعتادت القرية على سماع أنغامه وأغانيه في الصباح الباكر، وبرغم حالة الانفعال التي تعيشها المدينة، ولكن حرص العمدة - الملازم بالجيش - أن يوجه إنذاره "حذار إذا قلب أحد على المدينة ، فسألقيه بالسجن " .
نشرات الفضاء
 برغم مقتل باستور، أعلن مدير السينما عن عرض الليلة، ولكن من أوقفه القس "أنجيل"، فقال له مدير السينما: "في العام الماضي قتل رجال الشرطة بأنفسهم رجلا داخل دار السينما، و ما إن خرجوا بالجثة حتى استمر العرض"، وعندما يرد القس بأن الأمور أصبحت مختلفة الآن، يجيب المدير "حين يجرون الانتخابات مرة أخرى سيعود القتل من جديد، دائما ومنذ كانت المدينة يحدث الشيء ذاته".
"أعتقد أن أياما مريرة تنتظرنا" هكذا قالها القس بأسى.
كان الجميع يتداول قصة بلدة أطاحت بها نشرات الفضائح في أسبوع واحد، فانتهى الأمر بسكانها إلى قتل بعضهم بعضا، فكانت إحدى هذه المنشورات سبب مقتل "باستور"، وكان ذلك مدعاة للذعر بالقرية، فكانت البلاد تتعافى من أوجاعها القديمة، والكارثة الراهنة قد تثير المتاعب .
أما عن رجل العدل بالقرية القاضي "أركاديو"  فكان سكيرا، لم يدخل مكتبه منذ تعيينه منذ 11 شهر،  ولا عجب من ذلك فالمكتب يحمل ذكريات مريرة، فعلى نفس الكرسي مات القاضي السابق لأنه أصر أن يضمن حرمة "الاقتراع"، فحيته الشرطة بوابل من الرصاص أردته صريعا بمقعده، كما تم قتل نائب الأمن العام  بكعوب البنادق.
وعندما دخل أركاديو المكتب رسمه لنا "ماركيز" بحس ساخر متشبع بالمرارة، فتجد أمامك "صورة العدالة معصوبة العينين وتحمل الميزان في يديها"، وصورة أخرى كما وصفها ماركيز: "رجل أصلع سمين مبتسم يتقاطع على صدره وشاح الرئاسة وتحته كلمات مذهبة، السلام والعدل !!".
 يستمر ماركيز في سخريته حينما تُسأل إمرأة عجوز عن صحتها فترد: " كل يوم أتحسن بصورة أفضل حتى أتمكن من الاقتراع ! ".
وعندما قال العمدة للقس: "أعطس يا أبت نحن في زمن الديمقراطية".
ويسخر ماركيز قائلا  : " نظام جديد ساد العالم ، و لم يستطع العثور على أحد أفلح فى فهمه " .
كان القس أنجيل الوحيد الذى يرى أن المدينة مثالية ، و أن نشرات الفضائح ما هى إلا نتاج حسد لمدينتهم المثالية .
و أرملة مونتيل التى اتهمها الناس بالجنون لأنها أرادت أن تتخلى عن أملاك زوجها ، التى جمعها على حساب دماء الأبرياء ، فعندما وصل حزبه إلى السلطة ، هددت الشرطة خصومه السياسيين بالقتل ، و ابتاع أرضهم و قطعانهم لقاء ثمن حدده بنفسه  ، و بتلك الأملاك الطائلة يظل له اليد العليا حتى لو تغيرت الحكومة  .
أرادت الأرملة المغادرة للأبد ، حتى أن بناتها مقيمات فى باريس رافضات العودة إلى هذة البلاد البربرية التى يقتل بها الطلاب فى الشوارع  .
ثم ينقلنا ماركيز إلى محل الحلاق المتمرد الذى يتخفى خلف يافطة " الكلام فى السياسة ممنوع " ، و عندما كان يحدث أحد زبائنه  " كارمايكل " محامى أرملة مونتيل ، الذى كان يرى أن حالة الاضطهاد انتهت منذ عام و مازال الناس يتحدثون عنها ، فرد الحلاق إن حالة التخلى التى يعيشونها هى أيضا اضطهاد .
كان كارمايكل رجلا محايدا هكذا يقول عن نفسه فماذا يملك رجل فى رقبته 11 طفلا ، و لكن رغم ذلك كان نفس الرجل الذى تحمل السجن فيما بعد ، رافضا أن ينقل أملاك أرملة مونتيل إلى العمدة الجشع  .
العمدة الديكتاتور الصغير
فى المكان الذى يجلس به  العمدة ، جلس به العقيد " أوريليانو بوينديا " -  الذى يتكرر اسمه فى روايات ماركيز - لوضع شروط الاستسلام فى الحرب الأهلية الأخيرة  ، و قربه بموضع الثكنات كان يرقد أسرى معسكرات التعذيب .
و يتذكر العمدة ليلة قدومه إلى البلدة فى منتصف نهار " مسحوق "  فى مدينة ظلت  " مستعصية " الولوج  ، هبط على المدينة  خلسة  فجرا  و كان يحمل أمرا بجعل المدينة " تخضع بأى ثمن  "  ، و بتعليمات أحد أنصار الحكومة المجهولين و ثلاثة عتاة الإجرام تم للعمدة ما أراد .
و من طرائف العمدة أنه أمر الحلاق بإزالة يافطة " الكلام فى السياسة ممنوع  " قائلا  : " الحكومة هنا هى الوحيدة المخولة صنع أى شئ ، إننا نحيا فى ظل الديمقراطية و لا أحد يستطيع منع الناس من التعبير عن أفكارهم  !! " يا لها من جملة متناقضة ، و كأنه يقول  لهم حق التعبير و للسلطة صنع ماتشاء ، حتى حرية التعبير أمر مشكوك بصحته  .
و عدما سُئل العمدة بما هو مشغول البال  ، رد قائلا  " بالفقراء " و قال :  " علينا أن نجعل هذة البلدة أفضل لأسوء !! "  ، و من كرمه عندما غطت الأمطار بيوت الفقراء ، و أرادوا نقلها لربوة أعلى ، فسمح لهم بنقلها على أرض الحكومة مجانا ، ثم ذهب للقاضى يقدم أوراق بملكيته للأرض و يطلب أن تعوضه الدولة على سكن الفقراء بها  !!
" نتيجة للانتخابات الأخيرة قامت الشرطة بمصادرة و إتلاف البطاقات الانتخابية للحزب المعارض ، و الان لم يعد لدى أغلبية سكان البلدة أى وسيلة لإثبات هويتهم  ، و قال العمدة  : " أولئك الذين ينقلون دورهم لا يعرفون حتى أسمائهم  " .
عندما تباهى العمدة أنه أعطى الأرض للفقراء و قال " الحال مختلف الآن ، فالحكومة الجديدة تهتم بأحوال المواطنين " قاطعته  امرأة قائلة  " أنتم لم تتغيروا .. كانت تلك مدينة طيبة قبل قدومكم  " .
كان العمدة غاية فى الجشع و لم يترك أحدا لم يساومه ، أو يستولى على أملاكه ، فحرر قاتل باستور مقابل " 10 عجول " ، قائلا له أنه حصل على صفقة جيدة ، فقد صدرت الأوامر بقتله و مصادرة أمواله لتتمكن الحكومة من دفع النفقات الطائلة للانتخابات فى المقاطعة بأسرها .
ضرس معار
دون ساباس هو من قدم لمونتيل القائمة الكاملة لأسماء الذين تربطهم صلات بجماعات الثوار، وهذا سبب كونه القائد الوحيد من المعارضة الذي استطاع البقاء في البلدة، ولكن بقي زعيم آخر الطبيب .
كان  العمدة يقض مضجعه ألم " ضرسه"، و هذة ليست أول مرة يستعين بها ماركيز بألم الضرس ليقض مضاجع الحكام فى رواياته ، فهو رمز بأنهم أبدا لن يهنأوا بحكمهم المطلق، وسيوجد دوما من يعارضهم .
الطبيب جيرالدو رفض معالجة العمدة ، فاقتحم عيادته مع عساكره، وهدد بقتل زوجته ، وأدعوا أن الطبيب يخفي أسلحة بمنزله، وقاموا بتمزيق كل ما في الدار .
فاضطر الطبيب لمعالجته على مضض ، وعندما طالب العمدة أن يخدره قبل أن يخلع ضرسه، رد عليه قائلا: "إنكم أيها القوم تقتلعون دون مخدر".

الناشر: 
العرب اليوم

أخر الأخبار

يسرقون الصيف من صندوق الملابس نزار أبو ناصر

يسرقون الصيف من صندوق الملابس

نزار أبو ناصر

 

صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 ديوان " يسرقون الصيف من صندوق الملابس" للشاعر نزار أبو ناصر.

 منذ أعماله الأولى والشاعر نزار أبوناصر يطرق باب...

تاريخ فلسطين الحديث د. عبد الوهاب الكيالي

تاريخ فلسطين الحديث

د. عبد الوهاب الكيالي

 

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2021 كتاب " تاريخ فلسطين الحديث" - تأليف د. عبد الوهاب الكيالي . هذه هي الطبعة الثانية عشرة من الدراسة الجادة والشاملة لتاريخ فلسطين...

لأول مرة كتب عربية وانجليزية رقمية في مكان واحد وفي مكتبة واحدة متاحة للجميع

تعلن شركة ektab عن توفيرها 70,000 كتاب باللغة الانجليزية لمستخدميها مجاناً عبر موقعها الالكتروني www.ektab.com

اطلقت شركة  “اي كتاب” 70,000 عنوانا باللغة الانجليزية من شتى...