أنت هنا

قراءة كتاب البحث العلمي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحث العلمي

البحث العلمي

كتاب البحث العلمي ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 8

الخامسة - خاصية الحيْادية والتجرد

أي من الأهواء، والميول العاطفية، والمؤثرات المزاجية، والشخصية، وغيرها من المؤثرات التي لا تدخل ضمن مكونات، ووسائل المنهج العلمي: كالخبرات الشخصية، والعادات، والتقاليد، وغيرها.

إن المنهج العلمي في تحليله للظواهر الكونية، والطبيعية، وفي دراسته للظواهر الاقتصادية، والاجتماعية ميزانه، بل يجب أن يكون ميزانه في الحكم على الأمور، واستخلاصه للنتائج، والحقائق العلمية العدل، والحق، وليس إتباع الهوى، والميل مع العواطف.

إن المنهج العلمي في حياده، وتجرده لا علاقة له بالصفات الشخصية: كالظلم، والتسيب، والصغر، والكبر، والميول السياسية، والحزبية...الخ.

إن المنهج العلمي يمكن استخدامه من قبل العادل، والظالم، والملتزم، وغير الملتزم، والحاكم، والمحكوم، والفقير، والغني، والمتعلم، والجاهل، وبغض النظر عن صفاتهم الشخصية، والخلقية، وميولهم المزاجية، وأحوالهم النفسية، ومراكزهم الاجتماعية...الخ.

إن استخدام المنهج العلمي السليم من قبل ذوي الاختصاص يجب أن يكون بعيداً عن مثل تلك الصفات، والمؤثرات الشخصية. والتي يمكن أن ينعكس أثرها على النتائج، والحقائق العلمية، فيبتعد بها عن الدقة، والصحة، والصواب، وبحيث يبتعد المنهج العلمي عن تحقيق أغراضه، ونتائجه المرجوة منه.

إن الحيدة، والتجرد تبتعد بالمنهج العلمي عن كل ما يؤثر في أهدافه، والوصول إلى نتائجه، وأياً كانت وسائله: تحليلية، أو تأملية، أو قياسية، أو حسابية رقمية.

إن الحيدة، والتجرد تجعل من المنهج العلمي مقياساً أكثر دقة، وأكثر صحة في تحديده للنتائج، والوصول إليها، ومن ثم تعميمها.

ولمزيد من الإيضاح لهذه الخاصية يمكن القول: إن الباحث الذي يستخدم منهجية التجرد، والحياد يمكنه تجريد الأشياء عن موادها، فيكون أقرب للصواب في حكمه عليها.

إن القول: 7 + 3 + 5 = 15. أكثر دقة، وأقرب إلى الصواب من القول:

7 أشخاص + 3 أشخاص + 5 أشخاص = 15 شخصاً.

إن القول الأول يتفق عليه الجميع، ولا يمكن لأحد أن يناقش في صحته؛ لأنه مجرد عن مواده، وقد يشمل الأشخاص، وغير الأشخاص، والعاقل، وغير العاقل.

بينما القول الثاني قد يناقشه البعض، ويشكك في صحة نتيجته، حيث إن عدم تجرد الأرقام من الأشخاص قد يُلجئ البعض إلى الادعاء بأن نتيجة جمع الأرقام ليست 15. وإنما أكثر من ذلك أو أقل على فرضية إن هناك نساء من الأشخاص حوامل، ويجب أن نحسب الأجنة، وعدم استبعاد الجنين من الجمع الحسابي، أو على فرضية التشكك، فيمن يكون شخصاً.

إن عدم تجريد الشيء من مادته قد يصعّب على الباحث الإحصاء، والتعداد، والحساب، ومن ثم عدم الوصول إلى النتيجة المرجوة، وخاصة إذا كانت إحصائية، أو عددية.

ومثال ذلك: محاولة إحصاء عدد من القرود على شجرة، فبعد ابتداء العدّ قد يقفز عدد عنها، وفي نفس اللحظة يقفز عدد آخر إليها. فيصعب عدها، أو حسابها.

ولمزيد من الإيضاح لأهمية هذه الخاصية يمكن القول أيضاً: بأن الحيادية، والتجرد المنهجي، أو منهجية تجريد الأشياء عن مادتها قد مكنت المختصين من العلماء من الوصول إلى نتائج تتصف بالدقة المتناهية، وخاصة إذا كانت هذه النتائج وصفية، أو تنبؤية، أو رقمية رياضية.

إننا لا نبالغ في القول- وهذه حقائق يعلمها الجميع: بأن منهجية التجرد قد مكنت العلماء المختصين من وضع نظريات علمية، وأرقام حسابية، ومعادلات خطية في منتهى الدقة، ومع أنها قد تكون مستندة إلى دراسات تتعلق بأشياء وهمية غير حقيقية كخطوط الطول، والعرض، كخط الاستواء؛ وبأشياء مفترضة كمداريْ السرطان، والجديْ. فقد استطاع العلماء بناءاً عليها من قياس درجات الحرارة، والبرودة، وكميات هطول الأمطار، ونسب الجفاف، والرطوبة، والتبخر، والتنبؤ بالأعاصير، وسرعة الرياح، واتجاهاتها، وتكوّن المنخفضات، والمرتفعات الجوية المناخية...الخ. وغيرها من الظواهر الكونية، والطبيعية الأخرى.

وبالنسبة للظواهر الاجتماعية: فقد مكنتهم هذه المنهجية - ولو بصورة أقل دقة - من دراسة، وحساب معدلات، وعلاقات بعض الظواهر ببعضها: كالفقر، والجهل، وتعاطي المخدرات بالجريمة. أو العلاقة بين الشذوذ الجنسي، ومرض الإيدز. أو العلاقة بين عدم تربية الأطفال، وتشردهم، وهروبهم من المدارس. أو العلاقة بين الثمار، والمأكولات، وانتشار أمراض السرطان. أو العلاقة بين قلة الدخل، والسرقة. وكذلك معدلات التوالد المرتفعة في المجتمعات الفقيرة. والعلاقة بين الترهل الإداري، وانخفاض مستوى الأداء...الخ.

وبنفس المنهج التجردي الحسابي التقديري، وبالنسبة للظواهر الاقتصادية يستطيع الباحث أن يحسب معدلات الدخل، والإنتاج، والاستهلاك ارتفاعاً، وانخفاضاً. وكذلك معدلات التضخم المالي، وارتفاعات، أو انخفاضات الأسعار. وكذلك معدلات النمو الاقتصادي، وعلاقته بالتدفق النقدي، أو الموارد الطبيعية، والبشرية. وكذلك قياس الفجوات التضخمية، والكسادية، ومعدلات العرض السلعي، والطلب النقدي. وكذلك العلاقة بين مستويات الطلب الكلي النقدي، ومستويات العرض الكلي السلعي،....الخ.

إن منهج التجرد الحياتي يؤهل الباحثين للبحث العلمي الدقيق، والحكم على الواقع، والوصول إلى صحة النتائج، ودقة المعلومات، وفهم الواقع، وهضم قوانينه، وتحليل الظواهر، وفهم فرضياتها، وقوانينها التي تحكمها.

الصفحات