أنت هنا
تاريخ الحركات العمالية في كتاب " دور الحركات العمالية في الديمقراطية "
أصدر معهد دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية والمعهد السويدى بالإسكندرية كتاب "دور الحركات العمَّالية فى دعم الديمقراطية"، من إعداد ممدوح مبروك، الباحث بمكتبة الإسكندرية.
يأتى الكتاب فى إطار المؤتمر الدولى لدور الحركات العمَّالية فى دعم الديمقراطية بمكتبة الإسكندرية الذى نظمه المعهدان فى الفترة من 16 إلى 18 مارس 2013.
وتلاقى المعهدان على مبادرة تهدف إلى تسليط الضوء على أحد مجالات التفاعل والحراك السياسى فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011م؛ وهو "النقابات العمَّالية والديمقراطية".
وقد جاء اختيار هذا الموضوع نتيجة ملاحظة عامة أسداها كثير من الدارسين والخبراء، مفادها أن هذا الملف هو الأقل تطرقًا فى أعقاب الثورة، وهناك تركيز أكثر على بناء المؤسسات السياسية للدولة، وهو أمر مفهوم، لكنه لا يجب أن يأتى على حساب دراسة سبل تمكين المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية، وهو يشكل مؤسسات وأوعية مجتمعية تحتضن مشاركة المواطنين، ومبادراتهم، وتبلور مصالحهم، وتحافظ على التعبير المتوازن عن الآراء والغايات والتطلعات.
ونظرًا، لأن كلتا المؤسستين، مكتبة الإسكندرية والمعهد السويدي، لهما باع وعلاقات وتواصل مستمر مع هيئات إقليمية ودولية، فضلاً عن الروابط المحلية، فقد اتجها إلى طرح الموضوع فى أفق أكثر اتساعًا من خلال التعرف على خبرات متنوعة من سياقات دولية وإقليمية ومحلية.
ويقدم الكتاب بعضًا من تجليَّات العلاقة بين النقابات العمَّالية والديمقراطية من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية إلى آسيا وصولاً بالتجارب المتنوعة فى الخبرة العربية، وينتهى بطرح أسئلة يمكن مواصلة البحث فيها، وهو كتاب رقيق الحجم، قد لا يشفى غليل متخصص، لكنه بالتأكيد يفتح شهية مهتم ودارس ومتابع ومراقب لإيقاع واحدة من منظمات المجتمع المدنى، وهى النقابات العمَّالية، وأداؤها الديمقراطى، وقدرتها على الإسهام فى بناء الديمقراطية فى مجتمعات متنوعة فى ميراثها التاريخى، وخبراتها السياسية، وضوابطها الثقافية والمجتمعية.
ويتناول الفصل الأول من الكتاب الحركات العمَّالية فى التجارب الديمقراطية العالمية، من خلال التجربة البولندية والإنجليزية واليابانية والسويدية وتجربة أمريكا اللاتينية.
ويبين الكتاب أن الحركة العمَّالية واجهت على مدار تاريخها مشكلة أساسية تمثلت فى كيفية تحويل العمل النقابى إلى ثقافة وروح ومضمون أكثر من كونه مجرد آليات وأدوات تتعلق بتشكيل نقابات وسن قوانين والمساومة الجماعية، إلخ.
وأشار الباحث إلى أن الحركات النقابية على مستوى العالم لعبت دورًا أساسيًّا فى حركات التحرر الوطنى ومقاومة العنصرية التى شهدها العالم، والأمثلة على ذلك عديدة؛ فقد لعبت المنظمة النقابية بجنوب إفريقيا دورًا كبيرًا فى إنهاء التمييز العنصري، وكذلك الحركة النقابية فى إسبانيا قدمت مساهمة قيمة فى إنهاء نظام فرانكو الفاشستى، هذا بالإضافة إلى أن بعض رؤساء النقابات أصبحوا فيما بعد رؤساء دول مثل: ليخ فاوينسا فى بولندا، ولولا دى سيلفا فى البرازيل، وغيرهما، والتجارب العالمية فى مجال العلاقة بين الحركات العمَّالية والديمقراطية متباينة، نتيجة اختلاف الخبرات المحلية، والنظام السياسى السائد، وطبيعة العلاقات الصناعية السائدة وأن التوقف أمام بعض هذه التجارب، خاصةً التى تحمل بصمات ثقافية مختلفة يفتح آفاقًا فى التفكير فى الدروس المستفادة، وتدبر المساهمات المتنوعة التى تسهم بها الحركات العمَّالية فى تحقيق الديمقراطية داخل مجتمعاتها.
ويتطرق الفصل الثانى إلى الحركات العمَّالية ورياح الديمقراطية فى العالم العربي، ويقدم الفصل عرضًا لملامح العمل النقابى ودوره فى عدد من التجارب العربية التى أصبحت متفاوتة من حيث نصيبها من التحول الديمقراطى، ما بين دول شهدت ما يُطلق عليه ثورات الربيع العربى مثل مصر وتونس، وأخرى تتبنى سياسات إصلاحية كالمغرب، وثالثة لها تجربة مع الحكم الإسلامى كالسودان، ورابعة لها خصوصية سياسية وثقافية فى التنوع والتعددية وهى لبنان، وخامسة تتناول خبرة التنظيمات العمَّالية فى ظل الاحتلال وهى الخبرة الفلسطينية.
وعن التجربة التونسية، يبين الكتاب أن الحركة النقابية فى تونس بدأت عام 1924 بتأسيس الاتحاد العام التونسى للشغل على يد الزعيم محمد على الحامى، واتسمت بوطنيتها حيث لعبت دورًا رائدًا فى مناهضة الاستعمار والمشاركة فى بناء الدولة الحديثة فى محاولة لبناء فكر اقتصادى اجتماعى وطنى يناهض الفكر الاقتصادى الاستعمارى.
وأضاف أن الاتحاد العام التونسى للشغل خاض على مدار تاريخه العديد من المعارك الديمقراطية ودخل فى صراعات عديدة مع السلطة لإنهاء حكم الحزب الواحد فى ستينيات القرن الماضى.
وتصَدَّر الاتحاد العام التونسى للشغل موقعًا رئيسًا فى الثورة التونسية وفرض نفسه كرقم لا يمكن تحييده فى المعادلة السياسية، حيث كان إطارًا حاضنًا لمقاومة الاستبداد والاستغلال وللنضال من أجل الحرية والكرامة والمساواة الذى ساهمت تراكماته بصورة فعالة فى اندلاع الثورة التونسية.
وأضاف الباحث أنه منذ اشتعال الثورة التونسية، وحتى الآن تواجه الحركة النقابية التونسية العديد من التحديات أبرزها: عدم استقرار البلاد نتيجة عدم اكتمال عملية التحول الديمقراطى، وتأثير الخطاب الدينى الجديد على الاتحادات العمَّالية والنقابية، ومجابهة انعكاسات تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية خاصةً فى جنوب أوروبا على العمال التونسيين المقيمين هناك، وتمدد القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد حتى وصل عدد العاملين فيه نحو 50 % من العمال، واستشرى فى مختلف القطاعات مما يشكل عائقًا نحو توسع العمل النقابى حيث يدعمه أفراد تابعون السلطة.
وفى مصر، قال الباحث إنه لم يكن للحركة العمَّالية المصرية إبان فترة حكم مبارك أى دور نتيجة هيمنة النظام السابق عليها وظهرت النقابات المستقلة على الساحة العمَّالية بشكل كبير قبيل ثورة يناير كرد فعل طبيعى للتجارب السلبية التى عاشها التنظيم النقابى إبان النظام السابق، ومن أبرز تلك النقابات "نقابة الضرائب العقارية" التى لعب العمال بها دورًا كبيرًا فى التمهيد لثورة يناير من خلال الإضرابات والاعتصامات التى شهدتها ميادين مصر وقتها، وبعد الثورة حرص العمال على حرية واستقلال التنظيمات النقابية وناضلوا من أجل ذلك.
وأضاف، أنه بعد الثورة كان الاتحاد العام للنقابات المستقلة بمثابة بارقة أمل لعدد كبير من النقابات المستقلة إلا أنه للأسف يعانى من بعض المشكلات، وأبرزها: الوضع القانونى، وضعف النقابات المستقلة التى يضمها، وغياب التدريب والخبرة النقابية وتلك هى مسئولية الاتحاد الذى من المفترض أن يقدم برامج تدريبية لكل من هو مهتم بالشأن العمالى.
ويضم الكتاب جزءا أخيرا مخصصا للملاحق، منها الكلمات التى ألقيت بالمؤتمر، ومنها كلمة السفيرة برجيتا هولست؛ مديرة المعهد السويدى بالإسكندرية، وكلمة الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وكلمة أمينة شفيق؛ المتحدث الرئيسى فى الجلسة الافتتاحية.