أنت هنا

قراءة كتاب اسم العربة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اسم العربة

اسم العربة

رواية "اسم العربة - او الرجل الذي تحاور مع النار"، للكاتب العراقي زيد الشهيد، الذي سبق أن أصدر عن المؤسسة العربية أيضا رواية "فراسخ لآهات تنتظر" ورواية "أفراس الأعوام"، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
هذه إذاً السيدةُ الصغيرة التي أشعلت الحربَ الكبيرة؟!(1)
 
 
 
··· وهكذا هي الأيام، نتداولها· تمر بنا وعلينا مرَّ السحاب في السماء· توجِهُها ريحٌ لا ترى·
 
وهكذا هي الأحداث، تطأُ جسدَ التاريخ؛ وتنثني·· منها ما تجري جريانَ ماءٍ على حصى، ومنها ما تنحت وجودَها ندباً أو حفراً لا قدرة لأظافر الزمن مهما جهدت على محوها· 
 
تموت أمم وتولد أمم· تتعاقب فصول، وتنصرف حقب· 
 
لكنَّ الأرض تبقى أمّاً وذاكرة·· أمّ تفرح لانبثاقِ الزرع وتحزن للذواء، وذاكرة تفرد الذراعين لمن يرهف سمعه، ويفتح عينيه، ويوارب أبوابَ لهفته لما تريد أن تقول·
 
 لا تصدق منوبية لحظة رمت رأسَها المثقل بأحمال القلق والهم والحيرة على الوسادة في صمت الليل الأدهم ما حصل ويحصل· كانت صرفت أعواماً دنت من الخمسين بين حياة يومية مثابرة في ريف يجاور مدينة صغيرة، وحياة زوجية مع رجل اقترنت به يسكن مدينة تحسبها من عداد الفوز ونيل الحظ الضاحك· ذلك أن بوناً واضحاً بين حياة ريف فيه الكدُّ يبدأ من طلوع الشمس حتى مغيبها، ومدينة لها زمن محدد للعمل وجغرافية تفتح قلبها للتحضّر وتنهل من منهل ما تجود به دولُ الشمال·· دول ما بعد البحر·
 
منوبية لا تصدق أنها أنجبت أولاداً من زوج أطلعتها الأيام على فقره وقلة حيلته في العيش· لكنها كانت راضية تمنّي النفسَ بأيامٍ آتية من عالم الغيب لا بدَّ أن تتغير؛ لذلك ترفع رأسها شاكرةً ربّ السماء على كل ما كانت تحصل عليه· فالله عندها واسع الرحمة لا يترك عبده يتيه في براري الحيرة· وكثيراً ما رددت ما كان أبوها يردده: لئن شكرتم لأزيدنكم.
 
مرت الأيام، وشبَّ الأولاد، ومات الأب/ الزوج· وشكرت·· واستمرت تشكر، لكن الزيادة لم تحصل· استمرت مؤمنة تعزو عدم الحصول لاختبار صبرها، مرددةً ما كان أبوها يردده: المؤمن مبتلى·
 
لا تصدق منوبية أنّ بيتها المهمل، وأولادها الذين لم ينالوا غير قسوة الحياة والتهميش، يُطرَق بابه كل لحظة هذه الأيام· صحفيون ومصورون ومراسلو وكالة أنباء محلية وعربية وأجنبية، يحتشدون في الساحة المواجهة للبيت· يستظلون بشجرة الزيتون التي تصنع ظلاً على الرصيف جوار سياج البيت، من أجل لقطة أو كلمة تفوه بها إليهم ليكون سبقاً صحفياً وإعلامياً· تبصر الكاميرات المثبتة على أرجل ثلاثية تلتقط واجهة البيت، وتروح كاميرات الفيديو تصور له ببطء فيلماً من زوايا مختلفة·· لا تصدق أن (بان كي مون) باسم أمم الأرض يزورها في بيتها، فينحني أمامها، ويطبع قبلة إجلال على ظاهر كفّها كأمٍّ أنجبت مَن مزّق أوراق الزمن الرتيب، وصنع آخر يعبق بأنفاس صدور هتفت بالكرامة والثورة ورسمت لافتة الحرية من نجيع الدماء الفوّارة·
 
ما إن تُفتح الباب حتى يهبّ الجميع بحشدٍ متأهب لمن سيظهر أمامهم·· يوجّهون العيون الزجاجية بفضولٍ نهمٍ أو يفتحون لاقطات التسجيل، وبعض يعتمد الكتابة في قصاصات أو كرّاسات أعدّوها مسبقاً، فيما آخرون يستلّون أجهزةَ الهواتف النقّالة من حافظاتها المشدودة إلى أحزمة بناطيلهم ليصوّروا، ويسجّلوا·

الصفحات