رواية "يا صاحبي السجن" للشاعر والروائي الأردني د. أيمن العتوم ، صدرت في طبعتها الثالثة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، وتحكي الرواية تجربة الشاعر بين عامي 1996 و 1997.
قراءة كتاب يا صاحبي السجن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
مرّ أسبوع آخر أو يزيد قليلاً على هذا الحوار العابر، نسيت ما دار بيننا أو تناسيته، لم أعد أدري· ولكنّي استسلمت من جديد لروتين الحياة·
صيفٌ قائظ، لم يكن آب قد ودّعَنا تمامًا، رحل تاركًا شيئًا منه مع أوّل أيلول، وأيلول أسود دائمًا، حتّى في تركيّا والمغرب يسمّونه كذلك··· ورجلٌ متكرّشٌ يلهث وهو يصعد المرتفع الّذي يسبق الانعطاف إلى البيت، جوعٌ دائمٌ، وعطشٌ قديم، لا بدّ من إفراغ دلوٍ كاملٍ من الماء في الجوف (هكذا حدّثتُ نفسي)·
لحظات للمرور إلى المخبز، هناك حلويّات من النوع المحبوب، وقليلٌ من الكعك الشّهيّ، جزءٌ من مسار التّسمين قبل تناول العشاء الدّسم كالعادة· كيس الخبز في يدي، وشعورٌ يزداد بشدّة العطش، والأمتار القليلة الّتي تفصلني عن البيت تُخفّف من غُلواء العرق الّذي لا يُفارقني مع كلّ مشوار· آه يا أبي··· فصلٌ واحدٌ يقف بيني وبين باب اليقين، فصلٌ واحدٌ هو كلّ ما تبقّى لي كي أصبح (باش مُهندس)· تُرى هل أحمل إليه هذا القلب بلا أسئلة؟ أيّ أحمق مثلي لا يستفزّه قلق السّؤال؟!! لماذا أنا هنا بحقّ السّماء؟ سوف أكره أستاذ الكيمياء؛ لأنّه علّمني أنّه لا بدّ لكلّ تفاعل من مُحدِّدٍ له، أين يمكن أن أسيطر على مُحدِّد تفاعل كلّ هذه الهواجس الّتي تثقب ذاكرتي، لأواجهها فأخرج بنتيجة بدل كلّ هذا الهذيان؟! يا لها من ذاكرةٍ تلك الّتي تتحمّل كلّ الطّعنات القديمة، وتستوعب كلّ هذا النّزيف، وتحتفظ بالتّفاصيل، ولم يرشح منها شيء!!!
آه لو يعرف الإنسان ما تُخبِّئ له الأيّام، لاستطاع أن يتحكّم بذهوله على الأقلّ، ولا يتفاجأ إلاّ في الزّوايا الميّتة الّتي لا تُخفي شيئًا!! لم أكن أدري حتّى تلك اللّحظة كم هي الأيّام جميلة، وكم هي مُباغِتة، وإلى أيّ حدّ نحن نجهلها !!
خطوات أخرى وستكون أمّي على الشّرفة تنتظرني، وتعرف مسبقًا كم أنا عَطِش وجائع وحزين!!
مساء الخير··· رأيتك في القلب هذا المساء، كان وجهك شاحِبًا، لم أعرف السّبب· حاولتُ أن أمسح عن عينيك دمعةً باردة استقرّت منذ زمنٍ بعيد على جفنيك المُقرَّحَين· لا أدري لماذا شعرتُ وقتها بالحنين القاتل! أيهاجمني هذا الشّعور وأنتِ تستقرّين في ذلك المهوى العميق من قلبي؟! أشحْتِ بوجهك عنّي فجأةً، كان الموقف مؤثِّرًا جدًّا، لأوّل مرّةٍ أشاهدُ هذا الأسى في حياتي، كانت دموعكِ تزيدني لوعةً! أهي دموعي أم دموعكِ تلك الّتي تتساقط كينابيع الوجع ؟!! كنتِ تبدين هزيلةً، لم أعرف ماذا أفعل أو أقول؛ أأسألكِ عن ماضٍ أليمٍ ما زال ينخر في الأحشاء··· أم أسألكِ عنّي، أم عنكِ، عمّا فعلتْ بكِ الأيّام··· عن الزّمن السّارق··· أم عن الحياة الحُلم··· أم عن القلب الذّبيح؟!! لم أستطع أن أحدّد هل أنا أسالكِ أم أسأل نفسي!! أيُّ جزءٍ من الماضي شكّلكِ أمامي؟!! أينَ يُمكن أن أثقَ بقدرتي على التّمييز بين ما كان بالأمس، وما هو كائنٌ الآن، وما سيكون غدًا؟! هل أستطيع أن أدركَ جدوى الأسئلة في الزّمن الخاطئ؟!