رواية "أصل الهوى"؛ قالت له، بعدما اغتسلت وارتدت ملابسها بسرعة، إنها سترجع إلى طليقها، فهذا أفضل لها ولطلفها. سيغادران إلى عمّـان قبل الحرب ومنها إلى الولايات المتحدة، فطليقها يحمل الجنسية الأمريكية.
أنت هنا
قراءة كتاب أصل الهوى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
عبثتْ بسوار ساعتها بعصبية، فأدرك أنها تستعجله· المشكلة أنها ليست جميلة· تفرّس فيها دونما إشفاق· هي ليست جميلة أبدًا· وبالتأكيد ما كانت يجب أن تُخلق· أو كانت يمكن أن تُخلق أي كائن، أي شيء، إلا امرأة· شلح جاكيت البيجامة البيج المقلمة بالرمادي، مكتفيًا بالفانيلة القطنية البيضاء على بنطلون البيجامة الواسع· ختام لا تحبّ منظره بالفانيلة وبنطلون البيجامة، وهو منظر يجلس فيه ويأكل فيه ويشاهد فيه التلفزيون، وأحيانًا يستقبل فيه الضيوف المتكررين من العائلة والصحب، وبالطبع ينام فيه· تقول له إنه يبدو في هيئته هذه كالعواطلي، خاصّة حين يترك ذقنه الأبيض غير حليق في أيّام العطلات· سألته ماري عن عائلته· لم يجبها· ولم يلتفت إليها· وضع فيلم الدي في دي في جهاز التشغيل وأداره·
سافرتْ ختام قبل أسبوعين إلى دمشق لحضور زفاف ابن شقيقها· بعد العرس، سوف تذهب إلى عمّان للاطمئنان على أحوال عماد، أصغر أبنائهما الذي يدرس الهندسة المعمارية في جامعة خاصة هناك منذ ثلاث سنوات· مروان، أكبر ولديه، الذي درس برمجة الكمبيوتر في الولايات المتحدة والتحق قبل عام بشركة كمبيوتر عالمية لها فرع في دبي براتب خيالي، يهلّ عليهم في زيارات موسميّة خاطفة· كلما أتى لزيارتهم، يشكو من أنه لم يجد موقفًا قريبًا لسيارته تحت عمارتهم، ويتحدث على الموبايل أكثر مما يتحدث معهم· وفي النهاية تأتي تلك المكالمة التي ينتظرها، فيتفاعل مع الطرف الآخر همسًا وضحكًا، قبل أن يجد نفسه، كما يقول معتذرًا، مضطرًًا للمغادرة، فلا يأكل سوى القليل من ورق العنب الذي أمضت ختام الليلة الفائتة بطولها تلفّه من أجله· أما البنتان، بكراهما، فكل واحدة مع زوجها وعيالها، الذين يتكاثرون عامًا بعد عام، في بلد؛ هيام، الكبرى، تزوّجتْ قبل سبع سنوات زميل الدراسة في كلية الاقتصاد في جامعة اليرموك· أحبّته وتزوّجته رغم اعتراض أهلها وأهله على الموضوع· بعد ثلاثة أبناء، انحسر اعتراض الأهل من الطرفين، وبات يتعيّن عليهم أن يتدخلوا في إصلاح العطب الذي أصاب زواجهما سريعًا، فلقد تطلّقتْ حتى اليوم مرتين· أما حياة، التي تصغر شقيقتها بعامين، فتزوجتْ بعدها بعامين وهاجرت مع زوجها وطفلها حديث الولادة إلى كندا· منذ أربع سنوات لم تزرهم سوى مرة واحدة· أنجبتْ طفلة ثانية أرسلت لهم صورتها عبر الانترنت· بفضل الانترنت، تدردش ختام معها كل أسبوع، وقد تعطيها وصفات بعض الأطباق الأمومية النكهة التي تجعل غربتها أكثر احتمالاً وأقلّ قسوة وجفافًا·
ظهرت أمامه على الشاشة امرأة خمسينية ضخمة فاحت منها ألوان كثيرة· بذلتْ جهدًا تجميليًا كبيرًا كي تبدو أصغر سنًا فبدتْ في النتيجة النهائية أكبر· شعرها الكثيف، الذي يقينًا هو شعر مستعار، شعّ باحمرار ناريّ غير حقيقي مرهق للنظر، مشتّت للإحساس· كان طويلاً ومرسلاً، بلفات وثنيات وطبقات كثيرة زائفة· رسمتْ عينيها الغائرتين بكحل عريض وداكن، كما طلتْ رموشها الاصطناعية بطبقة سميكة من الماسكارا، ومع ظلال العين السوداء التي افترشت كامل مساحة جفنيها العلويّيْن، اللذين تقابلت ظلمتهما المطلقة مع حمرة شفتيها الفجتيْن، تبدّت في هيئة ساحرة ملعونة· لعن نفسه، تحمس للعنتها في البدء· غمزتْ له· ثم أيقن أنها تغمز لكل جمهورها المتحمّسين من الرجال الذين يجلسون على الكنبات في صالوناتهم، أو تنحني قاماتهم أمام شاشات الكمبيوتر في الصمت الذي يخرقه هسيس الشاشة، حتى وإن كانوا غير حليقي الوجه، برائحة فم عكرة، بنصف بيجامة، وشبشب الحمام· أرسل نظره إلى ماري فوجدها تتأمل صورة رفاق الأبيض والأسود البعيدين، ضاحكين ما يزالون، إلى الأعلى من مشهد الخمسينية، دونما فضول من جانبها·