أنت هنا

قراءة كتاب أحلام الياسمين في زمن الرخام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام الياسمين في زمن الرخام

أحلام الياسمين في زمن الرخام

تمزج رواية الدكتورة آية عبدالله الأسمر "أحلام الياسمين في زمن الرخام"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بين الحب والمشاعر الانسانية والواقع السياسي والاجتماعي في عالمنا العربي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
كانت خلافاتهما السطحية القليلة لا تتعدى حجرة نومهما، وصوتهما لا تعلو نبرته في أي حال من الأحوال، ومشاكلهما المادية يتم حل عقدها بينهما أولاً، ثم مناقشتها مع بناتهن اللواتي فهمن أن الحياة شيئٌ أكبر وأعمق وأوسع وأرفع وأسمى بكثير من مجرد تلبية سريعة لكل رغبة أو حاجة أو رفاهية مادية تتخم البطون والعقول· ولم يكن ليكتب لهما النجاح في تربية بناتهما لولا انتهاجهما كتاب الله وسنة رسوله، لينهين جميعهن المرحلة الدراسية الابتدائية وهن يحفظن القرآن الكريم عن ظهر قلب، وينهين المرحلة الدراسية الثانوية وهن متفقهات في أمور دينهن عبادة ومعاملة، ومنهجًا للحياة وطريقًا للآخرة، مواظبات على صلواتهن وصيامهن وحجابهن، بيقين لا يعرف الشك إليه طريقًا، وبسماحة لا تعرف للتطرف بابًا، وبحلم وسعة صدر بعيدين عن التعنت والتزمت، وبقوة تلين عند الحاجة، وبحجة قوية وفهم واعٍ وثقافة عالية، وإدراك عميق لمعنى الحياة·
 
لهذا كانت سوسن كواحة الصحراء، كندى الفجر، كنسيم الصيف البارد، كزهرة تفوح بشذاها العبق أينما حلت على جميع من حولها، كانت أمًا لكل من عرفنها حتى من يكبرنها سنًا، صديقة لكل من تحتاجها، وملاذًا لكل المنكوبات، ومنارًا لكل الضائعات، لقد كانت عملاقًا برحابة صدرها ودفء قلبها وصدق كلماتها، لهذا كانت لها قدرة هائلة على استيعاب كل أنواع الفتيات، المنقبات والمجلببات والمحجبات والسافرات والمسلمات والمسيحيات والصغيرات والكبيرات·
 
كانت سوسن من خارج هذا الزمن أو من بطن أعماقه، من فضائه الخارجي أو من زواياه الخفية، المهم أنها كانت موجودة ·
 
استيقظت أحلام مفزوعة لإحساسها بأنها نامت أكثر مما يجب، وبمجرد أن نظرت إلى ساعة يدها هبت من سريرها وكأن مسًا شيطانيًا أصابها، ركضت إلى الحمام ثم توضأت فصلت صلاتي الظهر والعصر معًا، وكالفراشة المذعورة انتقلت إلى المطبخ لتعد كوبًا من الشاي، وبينما هي تنتظر الماء ليغلي على النار صنعت لنفسها شطيرة بيض أكلتها وهي تعد الشاي، ثم أخذت كتاب الكيمياء الحيوية من على مكتب سوسن النائمة وأغلقت عليها الباب بهدوء، وذهبت إلى غرفة الجلوس لتجلس على طاولة الطعام وتبدأ الاستذكار، مرت ساعتان أو أكثر وهي تقرأ بعينيها أحيانًا وبصوت مرتفع أحيانًا أخرى، تستعين بالكتابة لتتمكن من الحفظ، أو تنهض من مكانها وتسير ذهابًا وإيابًا في الغرفة، وهي تردد ما حفظته بصوت مرتفع ثم تعود لتقرأ بعينيها من جديد·
 
وفي هذه الأثناء استيقظت سوسن، ولأنها شعرت في نبرة صوت أحلام شيئًا من الخوف، والعصبية والاضطراب، لم تشأ أن تقطع عليها دراستها، حيّتها بسرعة وذهبت للوضوء والصلاة، ثم أعدت هي الأخرى شطيرة بيض وكوب (نسكافيه) وطبقًا من السلطة، وضعت بعضه في طبق وضعته بجانب كتاب أحلام على طاولة الطعام، وتناولت هي كتابها، كتاب مادة الإدارة الصيدلية والإعلام الدوائية، وجلست على الطرف الآخر من الطاولة·
 
أنهت أحلام جملتها ثم نظرت إلى سوسن بابتسامة متعبة وسألتها عن أخبارها وأمور يومها، فحمدت سوسن ربها وأخبرتها أنها في أحسن حال، وأنها سعيدة جدًا؛ لأنَّها تمكنت من تقديم محاضرة في مادة الصيدلة السريرية والعلاج الدوائي بشكل فاق توقعات زملائها وزميلاتها وحتى أساتذتها، فنالت ثناءً وتقديرًا ما كانت هي نفسها تتوقعهما، وأخذت تشرح لأحلام كيف استطاعت أن تنال من بعض الحاقدين ممن هم في دفعتها، الذين أخذوا يسألونها أسئلة بعيدة كل البعد عن صلب موضوع المحاضرة بقصد الإيقاع والاستهزاء بها، والانتقاص من شأنها أمام أساتذتها، لكنها كانت لهم بالمرصاد، حتى إن الأستاذ الأول للمادة نهض من مقعده في نهاية المحاضرة وقبل أن يخرج من القاعة قال بصوت مرتفع وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة رضى، وإعجاب وتقدير موجهًا كلامه للأساتذة الآخرين:
 
* إن كانــت هذه الطالبة تعي كل مواضيع المادة وموادها الأخرى بهذا العمق نفسه، وبهذا المستوى نفسه فهي مؤهلة للتخرج الآن لا نهاية هذا العام· وأعقب ذلك بضحكة عالية مجلجلة أثناء خروجه من القاعة أثارت استحسان الأساتذة وكثير من الطلبة، وغضب القليل منهم وحقدهــم·

الصفحات