يتناول الباحث الاردني محمد سواعي موضوع المصطلحات العربية الحديثة ونشوئها في كتاب (الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر) وقد عالج المؤلف موضوع الحاجة الى مصطلحات حديثة بعد احداث تاريخية كان لها تأثير كبير في الحياة والثقافة العربيتين ومن ذلك
قراءة كتاب الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الحداثة ومصطلحات النهضة العربية في القرن التاسع عشر
الصفحة رقم: 2
تَوْطِئَة تاريخيَّة
واجَهَت اللُّغَةُ العَربِيَّةُ في القَرْنِ التّاسِعَ عَشَرَ صُعوباتٍ لُغَوِيَّةً شَتَّى، ولا سِيَّما فيما يَتَعَلَّقُ بإيجادِ الـمُفْرَدَةِ الـمُناسِبَةِ للمُؤَسَّساتِ الحَضارِيَّة، والعُلومِ الحَديِثَةِ التي بَدأَت تَفِدَ مِن الغَرْبِ نَتيجةَ الاحتكاكِ الحَثيثِ الذي بَدَأَ يَرمي بِظِلِّهِ عَلى الـمِنْطَقَةِ العَربِيَّةِ، وبِخاصَّةٍ بَعدَ غَزْوِ الفِرَنْسِيّين لِـمِصْر 1798-1801م· وتَضاعَفَت صُعوباتُ إيجادِ الـمُفرداتِ العربيَّةِ القادِرةِ على التَّعبيرِ عن العُلومِ الحَديثةِ الوارِدَةِ من الغَرْبِ، والـمُؤَسَّساتِ الحَضاريَّةِ الطارِئَةِ على الـمُجْتَمَع العربيِِّ بِكافَّةٍ إِثْرَ الصَّحْوَةِ التي حَمَلَ رايَتَها محمَّد علي، والي مِصْر، بَدْءاً بِـمُنْتَصَفِ العِقْدِ الأَوَّلِ مِن القَرْنِ التّاسِعَ عَشَرَ بإيفادِهِ العَديدَ مِنَ الـمَبْعوثينَ إِلى الـمَعاهِدِ الأُوروبيَّةِ العِلمِيَّةِ والتَّقَنِيَّةِ لِاكْتسابِ العُلومِ، والـمَعْرِفةِ بـِصِناعاتٍ اِرْتَأَى أنَّها ضَروريَّةٌ لِبِناءِ دَوْلتِهِ الحَديثةِ التي كان يَهدِفُ إِلى تَأسيسِها كالعُلومِ العَسْكريَّةِ، والهَنْدَسَةِ، والطِّباعَةِ، وسَبْكِ حُروفِ الـمَطبَعَةِ، عَلى سَبيلِ الـمِثالِ(1)· وهناكَ اِختلافٌ حَوْلَ السَّنَةِ التي أَوْفَدَ بِها محمَّد علي مَبعوثينَ للدِّراسَةِ في الـمَعاهِدِ الأُوروبيَّةِ· كذلك يَذكرُ الشيّال أنَّ ثاني البِعثاتِ كانت عام 1813م إلى مُدن إيطاليا الـمخلتفة لدراسة سبك الحروف والطباعة وبعض الفنون العسكرية وبناء السُّفن ونظام الحُكم(2)· يَتَطابَقُ هذا التّاريخُ مع ما ذَكرَهُ طوسون(3) في أنَّ البِعثات بَدَأَت في 1813م· وتَفاقَمَت هذِهِ الصُّعوباتُ اللُّغويَّةُ، خاصَّةً من ناحِيَةِ الـمُفرداتِ والـمُصْطلحاتِ العِلميَّةِ إِثْرَ عَوْدةِ هؤُلاءِ الـمَبْعوثينَ إِلى مِصْر، وانْخِراطِِهم في تَدْريسِ العُلومِ الغَربيَّةِ في الـمَعاهِدِ العُليا التي أَسَّسَها محمَّد علي في العِقْدِ الثّالثِ مِن القَرْنِ التّاسِعَ عشَرَ، كَمَدْرسةِ الطِّبِّ، والهَندسةِ، والزِّراعةِ، والعُلومِ العَسْكرِيَّةِ والتي كان يَتِمُّ تَعليمُ العُلومِ الغَربيَّةِ فيها باللُّغةِ الفرنسيَّةِ عَن طَريقِ مُتَرْجمينَ يَقومونَ بِتَرْجمةِ مَوادِّ هذِهِ العُلومِ إِلى اللُّغةِ العَربيَّةِ للتَّسهيلِ عَلى الطلاّبِ الـمِصْريّين الذين لم يكونوا يَعْرفونَ لُغَةَ الـمُحاضِرينَ الفِرنسِيَّةَ(4)· ويـُمكِنُنا أنْ نَتَصوَّرَ مَدَى الصُّعُوباتِ التي واجَهَها الـمُتَرجِمونَ والطلاّبُ، عَلى حَدٍّ سَواءٍ، في العُثُورِ عَلى الـمُفرداتِ الـمُناسِبةِ للتَّعبيرِ عن الـمُصْطَلحاتِ العِلميَّةِ، والاِكتشافاتِ الجَديدةِ غَيْرِ الـمَألوفةِ في البِلادِ العربيَّةِ آنذاك في مَيادينِ الطِّبِّ، وَالهَندَسَةِ، وَالزِّراعةِ، وَالصَّيْدلَةِ، وَالتَّمريضِ، وَوَسائِلِ الاِتِّصالِ، وَما إِلى ذلك مِن أَصْنافِ العُلومِ الغربيَّةِ الـمُسْتَحْدَثَةِ في الـمَدارِسِ الـمُتَخَصِّصَةِ التي حَرِصَ محمَّد علي على إِنشائِها· أَضِفْ إِلى ذلك، أَنَّ اِتِّصالَ الغَرْبِ مَعَ الشَّرْقِ عن طَريقِ البِعْثاتِ التَّبْشيريَّةِ (الإرساليّات الدّينيَّة) التي أَنشَأَت مُؤَسَّساتٍ، ومَعاهِدَ عِلمِيَّةً كالكُلِّيةِ السُّوريَّةِ الإنجيليَّةِ التي أُسِّسَت عامَ 1866م، والتي أصْبَح اِسْمُها فيما بَعدُ الجامِعَةَ الأمريكيَّةَ في بَيْروت The American University of Beirut تَدَرَّبَ فيها العَديدُ مِن أبناءِ الـمِنْطَقَةِ، واكتَسَبوا عُلوماً لـم يـَكُن يَعْهَدُها النّاسُ مِن قَبلُ· وجَعَلَ هذا الحالُ الكُتّابَ خاصَّةً يُدْرِكونَ صُعوباتِ إِيجادِ المُفرداتِ والمُصْطَلحاتِ المُناسِبَةِ للتَّعبير عَمّا كانَ يَجِدُّ في البِلادِ العربيَّةِ من مَوادَّ حَضارِيَّةٍ مُسْتَوْرَدَةٍ، وعُلومٍ وما إلى ذلك· ويُعَدُّ إنشاءُ الـمَطابِعِ، ونَشْرُ الكُتُبِ، وتَأسيسُ الصُّحُفِ مِن مَعالِم هذِِِهِ الفَتْرَةِ التي لم تُساعِدْ في نَشْرِ الأفكارِ والـمَعلوماتِ فَحَسْب، بَلْ أَيْضاً في تَنْبيهِ العاملينَ في الصُّحُفِ بِخاصَّةٍ، والكُتّابِ بِعامَّةٍ إِلى قُصُورِ اللغةِ العَربيَّةِ على مُسْتَوَى الـمُفرداتِ في التَّعبيرِ عَن كَثيرٍ مِن الـمَظاهِرِ الحَضارِيَّةِ الغَربيَّةِ التي بَدَأَت تَظْهَرُ مَلامِحُها - وأحياناً قَسْراً- في مُجْتَمعاتِ النّاطقينَ بالعربيَّةِ· فَنَجِدُ أنَّ بَعْضَ كُتّابِ العَربيَّةِ أَخَذَ يَسْتَعْمِلُ بَعْضَ الألفاظِ الغَربيَّةِ بِلَفظِها الفِرَنْسيِّ مُحَرَّفاً قَليلاً· فَرِفاعَة رافِع الطَّهطاوي (1801-1873م )، الأزهرِيُّ الـمُتَعَمِّقُ لُغَوِيّاً يَسْتَعْمِلُ في كِتاباتِهِ، عَلى سَبيلِ الـمِثالِ، ألفاظاً مِثلالكومسيون commission، والكونستيتوسون constitution، والقونفرانس (conference(5)، مِـمّا أَثارَ حَفيظَةَ دُعاةِ نَقاءِ اللُّغَةِ مِنَ الشَّوائِبِ الدَّخيلَةِ - وَلَوْ مِن النّاحيَةِ النَّظَرِيَّةِ فَقَط· وَكَرَدِّ فِعْلٍ على ذلك، نَرى أحْمَد فارِس الشِّدياق يَهيبُ بِالطَّهْطاوي أَنْ يَتَجَنَّبَ اِسْتِعمالَ مِثلِ هذِهِ الألفاظِ الأوروبِيَّةِ حِفاظاً عَلى سَلامَةِ العربيَّةِ وَصَفائِها مِن شَوائِبِ الـمُفرَداتِ الدَّخيلةِ· وفي مَقالةٍ للشِّدياق، نَراهُ يَحُثُّ بِها الطَّهطاوي وكُتّابَ روضة الـمدارس على اِسْتِعمالِ الألفاظِ العَربيَّةِ الـمُسْتَنبَطةِ مِن باب النحت بَدَلاً مِن الألفاظِ الأجنبيَّةِ الـمُعَرَّبةِ· ويُؤَكِّدُ الشِّدياق للطَّهْطاوي أنَّ العَربيَّةَ قادِرَةٌ على التَّعبيرِ عن نَفسِها بأَلفاظٍ تُستَنْبَطُ مِن ذاتِها(6)· وإِزاءَ هذا الحالِ، ظَهَرَ فَريقٌ مِن الكُتّابِ يَنْعي حالَ العربِيَّةِ، ويَتَحَسَّرُ عَلى قُصُورِها، وعلى عَدَمِ مَقْدِرَتهِا في التَّعبيرِ عَن مَظاهِرِ الحَضارةِ هاتِهِ· فها هُو إبراهيم اليازجي يُعلِنُ أنَّ كُتّابَ العَربِيَّةِ غَيرُ قادِرينَ عَلى وَصْفِ غُرفَةِ النَّوْمِ في البَيْتِ العربيِّ لِعَدَم تَوافُرِ الـمُفرَداتِ اللازِمَةِ لِهذا الغَرَضِ، نتيجَةَ التَّحَوُّلِ مِن النَّمَطِ الشَّرقيِّ إِلى الطّابَعِ الغَربِيِّ في أَثاثِ الـمَنازِلِ، ناهيكَ عَنْ وَصْفِ قُصورِ الكُبَراءِ وبُـيوتِ الأَغنياءِ، وشَوارِعِ الـمُدُنِ، والـمَلابِسِ وأَدَواتِ الزِّينَةِ، إلخ· فما بالُكَ - يُضيفُ اليازجي مُهيباً بِعُلَماءِ العَرَبِيَّةِ- إذا أَرَدْنا وَصْفَ الآلاتِ، والأَدَواتِ، والـمَصْنوعاتِ الَحديثَةِ، وأَجْزائِها، والـمُخْتَرَعاتِ العِلْمِيَّةِ، والصِّناعِيَّةِ، والـمُكتَشَفاتِ الطَّبيعِيَّةِ، والكيماوِيَّةِ، الـمُسْتديمَةِ الحُدوثِ بِتَواتُرٍ مُطَّرِدٍ دَوْماً؟(7)·