يرصد الكاتب صقر أبو فخر في كتابه «أعيان الشام وإعاقة العلمانية في سورية» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والــنشر في بيروت؛ تطورات تكوّن النخب في ســـورية من مرحلة الانتداب الفرنسي، مروراً بمرحلة الاستقلال، إلى المرحلة التي حكم حزب البعث فيها، وصولاً إلى
أنت هنا
قراءة كتاب أعيان الشام وإعاقة العلمانية في سورية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
أعيان الشام وإعاقة العلمانية في سورية
الصفحة رقم: 4
مـدخــل
الأطروحة الرئيسة في هذا الكتاب هي أن أعيان مدينة دمشق، لأسباب تاريخية متراكمة، حالوا دون أن تتطور سورية بعد الاستقلال في سنة 1946 إلى دولة ديمقراطية حديثة، وأن عدم تطورها على هذا النحو، لم يكن خياراً خالصاً للحكام الذين تعاقبوا على السلطة السياسية، بل إن أسباباً تاريخية واجتماعية واقتصادية ودينية كانت تعيق مثل هذا التحول منها ركاكة البنية التجارية للمدينة في عصر اندماج السوق السورية بالسوق العالمية في القرن التاسع عشر، وغلبة مالكي الأرض على الحياة الاقتصادية للمدينة، ودور رجال الدين (وبينهم كثير من مالكي الأرض والتجار) في السعي الدائم لتلطيف الصراعات الاجتماعية بصفة كونهم وسطاء اجتماعيين بين الفلاحين والملاّك الذين كانوا مرتبطين، إلى حد بعيد، بعلاقات أبوية متوارثة (1)، والطابع المحافظ للصناعيين والحرفيين ورجال الأعمال· وهذه العناصر كلها تشابكت معاً لتصبح سبباً رئيساً، من بين أسباب أُخرى، في عدم تبلور فئة اجتماعية (أو طبقة اجتماعية) تتبنى، عضوياً، مفاهيم الحرية والتعددية، وتحمل مشروعاً سياسياً جدياً لبناء نظام سياسي ديمقراطي معاصر·
سأحاول أيضاً البرهنة عن أن مثلث ملاك الأرض والتجار ورجال الدين، وهم أعيان دمشق، أعاقوا العَلمانية في سورية، أيما إعاقة، جراء الطابع المحافظ لهذا الثالوث التاريخي، ومهدوا الطريق، جراء فشل سياستهم الإقصائية، لاكتساح الأرياف البائسة معالم الدولة الحديثة المتبرعمة، الأمر الذي أدى إلى إقصاء المدينة نفسها، ولو جزئياً، عن الأفكار العَلمانية وعن التيارات السياسية الديمقراطية، وإلى تهميش الأرياف التي وجد أبناؤها في الأحزاب العَلمانية ملاذاً يعدهم بالمساواة والمواطنة المتساوية، ووجدوا في الجيش ميداناً للترقي الاجتماعي· وهذه العملية المركبة والمتفاعلة كانت، على الأرجح، الأساس الذي أدى إلى ظهور الدولة التسلطية المعاصرة في سورية· وبهذا المعنى، فإن التسلط (أو الاستبداد) لم يكن مجرد خيار حر للحاكم أو للجماعة الحاكمة، بقدر ما كان نتيجة غير محسوبة تماماً لهيمنة الأعيان على السياسة والثروة في المدينة العاصمة، لا لسورية وحدها، بل لبلاد الشام كلها تقريباً·