أنت هنا

قراءة كتاب شتاء العائلة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شتاء العائلة

شتاء العائلة

رواية "شتاء العائلة" للروائي العراقي علي بدر؛ وتصوّر هذه الرواية تهدم وانهيار الطبقة الأرستقراطية البغدادية في الستينات والسبعينات بعد اندلاع الثورة، وذلك عن طريق قصة حب سيدة في الأربعين من عائلة ترتبط بالبلاط الملكي المنهار، فترفض الانخراط في الحياة الجديد

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
لم أزر عمتي في المنزل الذي ولدتُ فيه إلا في تشرين الماضي، وحين اجتزت السياج من بوابة المنزل الحديدية الضخمة المنحوتة قبالتُها التماثيل الرخامية، سرت في ممر خاص، كان هناك صفّا أزهار شتوية وآس، ثم باب المنزل المشرّح الذي يقود إلى ممر طويل أصفر مثل زهرة حلق السبع·
 
الستائر المخملية مرسومةً باليد، الصحون كذلك، والأبواب كانت مضلعة، وفي خوان المكتبة ثلاث ريشات قرمزية وزهرية صغيرة· وفي الصحون الفضية بضع ليمونات صفر كنّا ننظر نحوها وهي كثيرة التبدل، بينما كان الجدار قبالتي يحفزّني إلى ذوقه الرفيع العالي وهو يعكس الحياة القدسية التي تمور بها أروقة المنزل·
 
كان جدي يسمى الدب الأكبر في قبة السماء إله الهندسة، وهو يهز بوجهه المرسوم بخطوط قاتمة ويائسة، كنا نجلس في الحدائق الجليلة كل مساء حلقة، وهو يتحدث عن والده الذي هرب إلى مصر على ظهر حمار هزيل، لقد حدتثني أمي التي لم تكن تحب أهل أبي وفي كلامها طابع قاس:-
 
- (الثور، الحمار، والكلب هم تراث العائلة آنذاك)·
 
عمتي تقول:
 
- (الحيوانات وحدها التي تربط الحياة بالزمن، لأنها تمثل الحركة)·
 
لم تكن بغداد ذلك الزمان غير قوافل الحمير تحل محلها الشاحنات والمركبات الحديثة، بينما أصبحت الإسطبلات العظيمة الهياكل أحواض الماء مزنرة بتماثيل الخيول المتوثبة التي تذكرهم بتاريخ الإمبراطوريات القديمة والأيام الغابرة· بغداد التي طبعت بطابعها بلاد فارس القريبة تلمع مثل سمك تحت الشمس، مآذنها وقبب مساجدها وهي تغطي صدور المدن·
 
كان أبي يقول:
 
- (بغداد أشبه بدمشق منها إلى القاهرة)·
 
بينما يطوف تجار الأثريات وبأيديهم حقائب النقود التي تحمل النقوش الآشورية السود بحثاً عن شيء يصل الحاضر بالماضي·
 
قبالة الباب بمواجهتي، كان يقف خادمُ عمتي (سليمان) بطاقيته السمرقندية المنقوشة بخيوط ملونة، وعيناه تلمعان ببريق الشيخوخة اللاصف، ويداه ترتعشان وهو يصافحني، كان قد قتل أرمنيا في أذربيجان قبل أربعين عاماً وهرب إلى بغداد ليخدم جدي الذي يقول في ساعات غضبه:

الصفحات