المجموعة القصصية "غرفة في تل أبيب" للكاتب الفلسطيني راجي بطحيش؛ ثمة لحظات غريبة، ومربكة، وكئيبة نوعاً ما... تلك اللحظات الأولى التي يجد فيها المرء نفسه وحيداً في غرفة.. في فندق... في مدينة ما... لحظة موحشة بغض النظر عن طبيعة هذه الغرفة..
قراءة كتاب غرفة في تل أبيب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
وكأننا في دولة أخرى
بعد سنوات طويلة لم تطأ قدمه هناك ···· عاد جاد الى القدس···· كي ينتحر فيها··· وقد جاء اختياره سريعا دون تردد يذكر··· لأنه طالما اعتبرها مدينة تفوق عظمة صمتها في كل ما يحيطها من أمور عابرة··· وكأنها تمد لسانها ساخرة من كل من يعبر أزقتها بخجل غير عارف ماذا يفعل بنفسه بعد ذلك··· لا شيء في القدس أهم منها ذاتها ··· فما أحلى النهاية فيها إن كان لا مفر منها··· لقد فقد جاد معنى الأشياء في الأطراف البعيدة وأصبح مركز كينونته مراكز متعددة غير مهمة ··· دون وقع حقيقي يظلل الأشياء ويقودها نحو نقاط ترقّب مثيرة··· حتى غدا داخله يتآكل ببطء وباستمرار طوال الليل والنهار··· صار التآكل ملازمًا لحركته··· أصبح للتآكل صوتٌ عال لا يسمعه سواه···· كان جاد يعشق المواقف الدراماتيكية لذلك اختار القدس لتنفيذ خطته، واختار فندقا متواضعا في البلدة القديمة كي يشكل موقع الحدث··· وألذ ما في الأمر أنه قرر الاتصال من هناك بمن أحب طوال حياته ممن غدرهم وغدروه؛ ليترك لهم رسائل مفعمة بالشعرية الداماتيكية وبكلمات طالما تمنى أن يقولها لهم ولغيرهم··· كلمات مثل·· وداعا صار متأخرا هذا مصيري ولا مفر منه لا فائدة ولا جدوى لقد كان مجرد تفكيره بصياغة رسالة وداع قصيرة لرلى مثلا··· تجعله يثار فجأة مقتربا بتسارع من جذوته···
كان اليوم هو الأربعاء الموافق للثاني عشر من تموز من عام ألفين وستة···
كانت طريق تل أبيب القدس تتبدل كلما اتجهنا شرقا، وتحديدا بعد مفترق باب الواد الشهير، حيث تتحول الطريق المستقيمة القاحلة والمنزوعة من أي معنى الى مجمع جبلي متصاعد من الأسرار والرموز والرهبة والترقب الذي كونته السنوات···· آلاف السنوات··· وكأن ثمة أجراسًا يتعاظم صوتها وتتنافس الهمسات داخلها كلما اتجهت سيارة السرفيس أكثر وأكثر نحو بوابة المدينة ···
ساد التوتر غير المفهوم فضاء السرفيس، وأطلق بعض الركاب تمتمات فاشية نسبيا بالعبرية ··· وفي المذياع تحدثوا عن جنود خطفوا··· وآخرين قتلوا··· وحرب وشيكة·· وتجنيد الاحتياط··· وضرورة الرد···· والمناعة الداخلية···· وقوة الردع··· ونصرالله وجنوب لبنان وأولمرت وبيريتس··· وضرورة الرد··· والصواريخ التي يملكها حزب الله··
كان الصراخ داخل الأجراس أقوى من أية مرة أخرى دخل فيها جاد إلى القدس من قبل·· وكانت رائحة خريف قادم في عز الصيف···
ترجل جاد عابرا شارع يافا شرقا عبر البلدية والنوتردام ثم اتجه شمالا نحو باب العامود··· حيث كان الغروب يزحف مختلفا··· وفي باب العامود تذكر أنه لا يملك علبة سجائر إضافية فعاد أدراجه ودخل الى سوبرماركت في شارع صلاح الدين·· وهناك كان الزبائن والبائع الكهل يتجمعون أمام التلفاز ويتابعون قناة المنار اللبنانية والتي كتب على شاشتها···· الوعد الصادق
تمازجت الروائح بصيحات الباعة والزبائن ودفق الزمن المداهم بعذوبة··· في أزقة البلدة القديمة ···