هذا الكتاب لا يعتمد على التحليل النقدي لأعمال المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي – وهي مهمة جوهرية، أساسية، وضرورية، لكنني لا أحسن القيام بها – بل يركّز بؤرته، هذا الكتاب، على ترجمة الحوارات التي أجريت مع هذا المخرج، المستمدة والمجمعة من مصادر مختلفة ومتع
أنت هنا
قراءة كتاب عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عباس كيارستمي: سينما مطرزة بالبراءة
الصفحة رقم: 1
تقديم
إن معظم ما سمعتموه عن فرنر هيرزوغ غير صحيح وغير حقيقي· أكثر من أي مخرج آخر، حيّ أو ميت، هو تعرّض لوابل مذهل حقاً من الإشاعات الزائفة والأكاذيب المحضة حول شخصه وأفلامه· في التنقيب عن حياة وأعمال هيرزوغ، وهي العملية التي استلزمت تفتيشاً دقيقاً ودؤوباً عبر مصادر لا تحصى ولا نهاية لها، سرعان ما يتضح إلى أي حد هي متعارضة تلك الأخبار والتقارير، وتناقض بعضها البعض·
شخصياً أعترف، وأنا أقضي الوقت الطويل مع الرجل، أنني كنت أتوق، على نحو ملتو ومراوغ، إلى الإيقاع به وضبطه في غلطة أو زلّة لسان، أن أجد ثغرات في حججه، أن أكشف الغطاء عن كتلة من البيانات والتصريحات المتناقضة·· لكن محاولاتي باءت بالفشل ولم تكن مجدية· لذا توصلت إلى هذا الاستنتاج: إما أن يكون كاذباً بارعاً، أو - وهو المرجح - أنه يقول الحقيقة·
لحسن الحظ أن هناك بعض الحقائق الأساسية التي لا تقبل الجدل· لقد ولد في ميونيخ بألمانيا في 1942· عاش طفولته في ساشرانج Sachrang، وهي قرية جبلية نائية تقع قرب الحدود النمساوية· بدأ في السفر مشياً على القدمين وهو في الرابعة عشرة من عمره· وأجرى مكالمته الهاتفية الأولى عندما كان في السابعة عشرة·
من أجل تمويل أفلامه القصيرة الأولى، عمل ليلاً كلحّام في مصنع للصلب، فيما كان يدرس نهاراً· وقد نتج عن ذلك فيلمه الأول Herakles، الذي حققه في العام 1961·
مع الممثل كلاوس كينسكي حقق خمسة أفلام درامية طويلة·
وذات مرّة، اعتبره المخرج الفرنسي الراحل فرانسوا تروفو من أكثر المخرجين المعاصرين أهمية·
ملحوظة: هو، كمخرج، لم يوجّه كينسكي من خلف الكاميرا، مصوباً نحوه بندقية كي يلتزم بالتعليمات· ولم يجازف بحياة العاملين معه أثناء تحقيقه لفيلم Fitzcarraldo·· وهو ليس مجنوناً ولا شخصاً غريب الأطوار، وأعماله لا تنتمي إلى تقاليد الرومانتيكيين الألمان· وهو ليس مصاباً بجنون العظمة· بالأحرى، هو رجل دمث، لطيف جداً، سخي، متواضع·· وقد تصادف أن يكون موهوباً برؤية استثنائية، ببصيرة رائعة، وإدراك حدسي·
لديه حس دعابة عالٍ، إلى درجة أنه قادر أن يجعلك تستغرق في الضحك إلى حد الترنح، بالتالي يمكن للمقابلات المكتوبة مع هذا الرجل أن تكون غير وافية، وغير معبّرة· على سبيل المثال، كيف تدوّن بالنبرة التهكمية، على نحو مازح، التي بها يروي طرفته التالية: أذكر في مناقشة عامة مع أنييس فاردا (مخرجة فرنسية) وهي ضئيلة الحجم، لم يعجبها ما قلته عن الطول والحجم بالنسبة للمخرج أو المخرجة، الذي هو أهم من امتلاك هذه الخاصية أو تلك، واعتبرت ملاحظتي إساءة شخصية لها·
مع ذلك فإن مجموع أعماله التي تبلغ 45 فيلماً (11 فيلماً درامياً طويلاً، والبقية أعمال وثائقية ودرامية قصيرة) هي ليست مزحة، بل هي المجموعة الأكثر أهمية في السينما الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، وربما المفتاح لما اعتبرت الموجة الجديدة في السينما الألمانية·
علامات الحياة (1968) هو فيلمه الدرامي الطويل الأول، الواثق على نحو رائع، والذي فيه قدّم لنا البطل المضاد الكلاسيكي: المهووس، المعتزل، والخطير·