أنت هنا

قراءة كتاب ثنائيات مقارنة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثنائيات مقارنة

ثنائيات مقارنة

ينطوي كتاب الناقد د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
الثقافة العربية والسلطة السياسية
 
قد يكون من الضروري إلقاء الضوء على علاقة المثقف العربي بالسلطة السياسية في بلده وعصره، في هذا الوقت الذي عصفت فيه رياح الربيع العربي الجديد بكثير من القناعات السائدة، وكنست بعض التصورات القائمة على فاعلية الثقافة وأصحابها، بعد أن أصبح الشارع في الوطن العربي وساحات الحرية في كثير من مدنه، المحرك والفاعل الأساسي في التحولات السياسية الظاهرة على السطح أو الكامنة في أعماقه·
والعنوان يضعنا، منذ البدء، أمام صعوبة خاصة نجد أنفسنا فيها أمام التناقض القائم بين ما هو معرفي، وما هو إيديولوجي· ذلك أن وظيفة الثقافة عموما هي إنتاج المعرفة، وبيان كيفية توظيفها· في حين أن وظيفة السياسة تتحدد في ممارسة السلطة، أو بيان كيفية ممارستها·
ولكن ارتباط الثقافة بالسياسة وشكل السلطة المتفرعة عنها يبقى، مع ذلك، ارتباطا عضويا، بحيث لا يمكن لأحدهما الأستغناء عن الآخر، مهما يكن هذا الارتباط قلقا ومتناقضا· على اعتبار أن الثقافة لا تعني الخطابين الأدبي والفكري وحدهما، بل هي مجموع التنظيم المدني والعمراني المستند إلى خبرة الإنسان العملية والروحية، وتصوراته الفكرية والخيالية·
ولئن كان تاريخ الإنسانية قد شهد تقابلا دائما بين المثقف والفيلسوف، والفنان والبطل الرومانسي العاجز عن الفعل والمواجهة العملية، وبين رجل السياسة وصاحب السلطة، الذي يبدو مطمئنا إلى نفسه وعارفا بطبيعة عمله، فإن موقف كلّ منهما إزاء الآخر يتحدد، من الناحية التاريخية، بطبيعة الوظيفة الاجتماعية التي يمكن أن يمنحها لهما النظام الاجتماعي الذي ينتميان إليه كلاهما·
ولئن كان من الصعب الحصول على تعريف دقيق يحدد ما نعنيه بـ (الثقافة)، فإن من الممكن الوصول إلى مقاربة معقوله للمفهوم من خلال فحص وضع (المثقفين)، أي هؤلاء الذين يجدون مثلهم الأعلى في قضية تتوفر لهم مقدرة فعلية على خدمتها، وفقا لهدف محدّد يمكنهم بوسائلهم الخاصة بلوغه· وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم الفيلسوف الألماني (هيغل) (الحيوانات المثقفة)، وقضيتهم هذه تمثل لهم الهواء الجوي الذي لا يستطيعون بدونه الحياة· وهم في الواقع كل الأساتذة والأدباء والشعراء والفنانين والمفكرين، الذين يخلعون على مهمتهم قيمة مطلقة، ولا يفطنون غالبا إلى أن هذه المهمة قد لا تشكل بالنسبة إلى غيرهم شيئا ذا بال، أو أنها تمثل واقعا غريبا يسعون إلى أن يحققوا من ورائه قضيتهم أو مصالحهم الخاصة· (1)

الصفحات