أنت هنا

قراءة كتاب ساعة ظهور الأرواح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ساعة ظهور الأرواح

ساعة ظهور الأرواح

رواية "ساعة ظهور الأرواح"لالمؤلف البحريني عبدالله خليفة، تذكرنا برواية توفيق الحكيم الشهيرة "عودة الروح" لا يقتصر على التشابه في الكلمات ومعانيها المحددة بل يتجاوز ذلك إلى تلك الرسالة الواضحة وهي احياء ما بدا كامنا أو ميتا من روح الجماعة وإعادة الحياة إلى ت

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
(5)
 
جلس الشيخ درويش في كبره بالكوخ محاطاً بضيوف متوارين كثيرين وبأصحاب وبرؤى، حتى أزدحم المكان· سمع أنيناً مؤلماً في غابة الأكواخ، وتخيل الخطى الواهنة نحوه في دروب المياه والحصى والنعال التي ستتقطع والولد المحمول فتأوه بحرقة·
 
تأمل: كيف احتملتُ كل هذه الحياة بجنب التراخوما والجدري والجواثيم التي تطبق على صدور النسوة، وتحيل نهارهن إلى هذيان من أجل الرجال، وصبرتُ في عريش مفتوح على جنون المطر وعرس الأرواح؟ لم أفز من الدنيا سوى بولد أُصيب البارحة في النشاط الغريب للسماء والأرض؟ أكانت الزوبعة وليدة صبوة شديدة من الأعالي لعناق أرض جافة ماكرة؟
 
نهض وهو شبه منحن من أثر الاتكاء على مساند منبعجة خاذلة، ودارت يده على مواعين الأعشاب، انتقت بضع زهرات، وقرأ آية ثم قصيدة حب، وخرج إلى السماء المفتوحة فرأى أصحاباً كثيرين يطيرون ونجوماً هي كرات من نار تتجنبها الأجنحة الشفافة لسكان الأكوان البعيدة·
 
قالت امرأته:
 
ــ لا يزال عدنان يرتجف·· لم يفد مرهمك يا شيخ!
 
قال في قلبه:
 
ــ بل لم يزهر حبك يا امرأة!
 
سمع الدبيب للمجموعة العائلية المتلاصقة التي تقـترب من بيته، فتح الباب مستقبلاً الصغير، ملتقطاً إياه من أذرع دافئة، وكان كرة من نار، سقاه الدواء· وصد قفص الدجاج الذي كان يقاقئ مذعوراً· وضع الرجل قطعة نقد صغيرة، فتقبلها شاكراً، وانحنت العائلة تحت أصابعه فسحبها خجلاً·
 
ما أن تجاوزت الأقدام العتبة، حتى هبت زوجته بغضب:
 
ــ ماذا بك يا شيخ تدوس النعمة، كانت الدجاجات سترمم عظام ولدنا!
 
ــ بل سوف تقتله وتملأك شحماً!
 
ــ تريد أن تقول أنك تفهم كل شيء وتعلم الغيب؟ ما أشد كفرك يا رجل!
 
ــ بل ما أشد طمعك!
 
ــ ظلْ هكذا في الفقر·· أنظر أين وصل تلميذك عبدون، هو الآن موظف مهم في الأوقاف·· وأنت مع هؤلاء وبين كل هذه الأكواخ!
 
ابتعد متألماً، صاح في روحه الوحيدة الهائمة في الصحراء:
 
ــ لا تذكريني بالتلاميذ والأصدقاء·· قبضُ ريح كانوا، خرقٌ ومواعين وخواتم، وليس ثمة لمسة من معنى أو جذر من فكرة، لا ترينهم في الحرائق والطوفان، كل الأيام التي زرعتُ فيها دمي في حدائقهم ذهبت هباء··!
 
سار في الدروب المعتمة، رأى كيف عاث المطر المجنون خراباً في الأكواخ، وفتح المستور من العشش التي تفترش الأرض، وهاهم غابة من الأولاد يتحلقون حول صحن واحد· وها هو بيت الغانية المهدم وقد هرب منه الزبائن!كيف يمكن أن يقضوا حاجة البهائم في هذا الخلاء، ستكون فرجة··؟!
 
وصاحت امرأتان دفعة واحدة:
 
ــ يا رجل·· هلا ساعدتنا قليلاً؟
 
اقـترب منهما، وأمسك كتلة الخوص والجريد المتشابكة وراح يرفع وساعده رجلٌ كان مع المرأتين، وحين غُرزت الكتلة في التراب، شاهدوا وجهه بوضوح، فقالت إحداهن بكسوف حقيقي:
 
ــ الشيخ··درويش ؟ معذرة··
 
رأى وجهاً حفرته السنون بمناجل الأخاديد وقد أطفأت قناديله ولم تبق سوى ذبالة تهتز من ريح الشهوات، ولم تستبقانه أو تعطيانه شيئاً بل دخلتا بسرعة وهن تتأوهان من الخجل·

الصفحات