" خندق النار" للكاتبة أنيسة الزياني، يضم قصصاً قصيرة ، في هذه المجموعة القصصية تطرح "أنيسة الزياني" توليفة من الأقاصيص القصيرة التي تسرد فيها بعضاً من معاناة أبناء جيلها، وبعضاً من ذكراياتها القديمة التي حولتها عبر يراعها إلى كلمات نسجت منها مجموعتها هذه ال
أنت هنا
قراءة كتاب خندق النار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
زهور صفراء
كان يمر منذ سنوات طويلة أمام بيتنا في الصباح الباكر، وحين يصل تراه دائماً رافعاً رأسه إلى أعلى، وحين يتجاوز البيت يبدأ في إنزاله، واستمر على هذا الحال في الصباح حين خروجه لعمله والمساء لدى عودته إلى منزله، وظللت أرقبه حين يمر بالمنزل، أريد معرفة سبب رفعه وإنزاله رأسه أثناء مروره خاصة أنه ليس في المكان شيء يلفت النظر·· إلا إذا كانت تلك الشجرة العادية ذات الأوراق الخضراء والبذور الكثيرة، غير أنها لم تلفت نظري مرة واحدة فشكلها عادي جداً كباقي الشجر·
وذات يوم عزمت على الخروج من البيت والتوجه نحو الشجرة لأعرف ما الغريب فيها والذي يشد انتباه هذا الرجل، فوجدتني كلما دنوت من الشجرة تأتيني رائحة جميلة طيبة، ولمحت بها أزهاراً صغيرة ناعمة لونها أصفر لكن لا أستطيع الإمساك بها لأنها ما تلبث أن تتفتت في يدي·
عدت إلى البيت وبقيت في مكاني الدائم أنتظر مجيء الرجـل·· هاهو يأتي لكنه محني الرأس هذه المرة، يبدو وكأنه يفكر ويراجع قراراً في نفسه، إنه يقترب من الشجرة، يرفع ناظريه لها ثم يتلفت حوله، لم يرَ أحداً من أهل الحي فمدَّ يده نحو إحدى الأزهار وقطفها لكنها تفتتت، حاول مرة أخرى وأخرى وفي كل مرة تتفتت الزهرة في يده، وقف فترة قصيرة يفكر ثم رفع يده ليس باتجاه الزهور الصفراء بل اتجهت لقطف الأكياس المعلقة بجوار الزهرة، وها هو يجمع منها كمية كبيرة تكفي ليزرعها في منزله، بعدها ألقى نظرة أخيرة على الشجرة وابتعد بسرعة وكأنه ارتكب إثماً عظيماً في حقها، بعد هذا اليوم لم أعد أرى الرجل، وإنما أجد نفسي دائماً متجهة نحو الشجرة لأرى أزهارها الصفراء، وأشم رائحتها الطيبة التي أستطيع تمييزها بين آلاف الزهور·
وفي إحدى المرات وأثناء وقوفي قرب الشجرة، رأيت أناساً قادمين نحوي وبأيديهم فؤوس تلمع، إنهم يريدون قطع الشجرة···· يريدون اقتلاعها لأنها تعترض الشارع الذي سيتم رصفه حديثاً، بسرعة وجدتني أجمع البذور رغم الدموع التي كانت تملأ مآقي، وركضت مهرولة إلى البيت فقد انتابني شعور غريب بأنهم قد يعترضون طريقي ويأخذون البذور من يدي، تواريت خلف الباب وأخذت أرقبهم ودموعي تتناثر مع تساقط الأزهار والبذور··· والشجرة أخيراً·
بعد أيام·· قمت بزرع البذور والعناية بها، وظللت طويلاً أرقب خروجها من التربة··· وحلَّ اليوم الذي أنتظره، فقد كبرت البذور ونمت وأصبحت شجرة كبيرة ممتلئة بالأزهار الصفراء والبذور المعلقة، وامتلأ البيت بتلك الرائحة الطيبة، وتذكرت الرجل وتمنيت لو أنه استطاع بالبذور زرع شجرة في منزله كشجرتي·