أنت هنا

قراءة كتاب أطراس الكلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أطراس الكلام

أطراس الكلام

رواية "أطراس الكلام"؛ مفارقة ليست وليدة اللحظة بالتأكيد فها انذا اتذكر جولاتنا الطويلة في شوارع بغداد، عقب انتهاء عاصفة الصحراء واعلان وقف اطلاق النار ، بأدق تفاصيلها .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
(1)
 
عبثًا بقيتُ متشبّثًا بسمّاعة الهاتف أستنطقها المزيد؛ فقد انقطع الاتصال قبل أن أفهم حقيقة ما حصل، بيد أنّ الكلمات التي حملتها لي الأسلاك من بُعْد مئات الكيلومترات كانت كافية لكي تعقد خيط ما انقطع: فإذا بتينك العينين ـ عيني أبي وقد علتهما غمامة الشيخوخة ـ ترمقانني بنظرة إدانة لا ترحم، غامرتين إاي بشعور قديم بالإثم كنتُ أحسبه قد ذاب وتلاشى منذ اليوم الذي أوليت البيت ظهري قبل سنوات وقد عزمت على هجره إلى الأبد، لكنْ·· شدّ ما كنت مخطئًا؛ فها أنذا أكتشف أنّ الماضي لن يموت بتلك البساطة التي تصورتها، وأنّ الأوجاع القديمة تظل تنبض في موضع ما من الروح ـ لا الجسد ـ في انتظار الظفر الذي ينكأ مصادفة الجرح لتبدأ الذكريات بالنزيف: إذ ها هي الوجوه القديمة التي غيّب التراب بعضها، وأضاع بعضها الآخر تعاقب الأعوام، ها هي تحمّلني وزر ما حصل: ها هو وجه جدي يطلّ من بين تلك الوجوه ليذكّرني ـ من وراء وحشة القبر ـ بعبث مسعاه معي؛ فلا خيوله التي درجتْ بي على درب طفولتي نحو تخوم الرجولة، ولا أرضه التي غرسها بالفسائل ليلاً، برغم الرصاصات المنذرة الصافرة فوق رأسه في الظلام، قد أفلحتْ في أداء مهمتها معي؛ ذلك لأنني لم أكد أجابه بأول معضلة اعترضتْ سبيلي حتى سارعت بالهرب تاركًامدينتي إلى الأبد!·· وها هو وجه رؤى أيضًا·· رؤى الحبيبة·· رؤى الرومانسية التي برغم شغفها بالدراسة إلى درجة الجنون ـ كانت قد وضعتْ نصب عينيها أنْ تغدو طبيبة! ـ كانت تتسلل من مدرستها خلسة لأصحبها، في غفلة من عيون أسرة من الذكور الطائشين الغيورين كانت الأنثى الوحيدة فيها ـ على النقيض من أسرتي التي كنتُ الذكر الوحيد فيها! ـ لمشاهدة أحد الأفلام الهندية، تاركة لي يدها أعبث بها في ظلام الصالة على هواي، شريطة أن أدعها تذرف ما شاءتْ من دموع على أحداث (ميلودرامية) غير قابلة للتصديق، ها هو وجهها يطالعني ـ بعدما حصل ما حصل ـ بملامح مثقلة باللوعة تستدعي اليأس والقنوط!
 
- ها؟ أحدث مكروه لا سمح الله؟
 
تنبهتُ من شرودي ـ والسماعة المستقرة في كفي لا تزال ملتصقة بأذني ـ على صوت أسماء وهي تكلّمني من خلف مكتبها المواجه لمكتبي حيث تكدست أمامها (البروفات) وسط فوضى (رولات) تجارب طباعية تدلّتْ أطراف بعضها حتى مسّتِ الأرض·

الصفحات