أنت هنا

قراءة كتاب البنية الدرامية في شعر محمود درويش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البنية الدرامية في شعر محمود درويش

البنية الدرامية في شعر محمود درويش

يرى الباحث د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 10
أما المنولوج الداخلي فهو تكنيك حواري من أبرز التكنيكات التي نقلت القصيدة إلى عالم الشخصية؛ فرسمت معالمها الداخلية، النفسية والفكرية،وهو أسلوب يتناول وعي الأبطال الداخلي، وينقل لنا خفايا وأسرار الشخصية وأحلامها، ويركز فيه الكاتب- أساسا-" على ارتياد مستويات ما قبل الكلام، من الوعي، بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصيات".( )
 
والحديث عن درامية القصيدة الحديثة يقود إلى الحديث عن علاقة الشعر بالمسرح؛ وعلاقة الشعر بالفنون الأدبية الأخرى، بل وبالفنون الجميلة أيضاً؛ فالمسرحية تعتبر من أوثق الفنون الأدبية صلة بالشعر، ولا غرابة في ذلك؛ فقد بدأ الشعر مسرحيا، وإن شئت فقل: بدأ المسرح شعراً، وكان مصطلح الشعر في التراث اليوناني محصورا في إطار المسرحية والملحمة، وهذا ما فعله أرسطو في كتابه "فن الشعر"، "وقد ظل هذا الفهم ملازما للنقد حتى بدأت القصيدة الغنائية، منذ الحركة الرومانتيكية تنازع المسرحية هذا المصطلح، بعد أن انقرضت الملحمة كشكل أدبي، حتى انتزعته منها، وأصبح مصطلح الشعر مقصورا على القصيدة الغنائية بينما استقر المسرح كفن أدائي له شروطه وضوابطه، دون أن يعني ذلك انقطاع الصلة بين الطرفين. "( )
 
إذا، فعلاقة الشعر بالمسرحية علاقة متلازمة، بل إن الباحث يستطيع القول: إن العلاقة العملية بين الشعر والمسرح- من خلال تتبع حركة التاريخ-قد تحققت فعلا؛ ذلك" أن المسرحيات التي توارثتها البشرية منذ أول مسرحية إغريقية متكاملة حتى المرحلة التي تسمى مرحلة الكوميديا الجديدة، في تاريخ المسرح الروماني، والتي كانت جميعها مسرحيات شعرية"( ).
 
وهذا يعني أن المسرح حينما أراد أن يتقولب في شكل فني، لم يجد له أداة تعبيرية أفضل من الشعر.
 
ولعل من أهم التكنيكات المسرحية التي استعارتها القصيدة الحديثة ظاهرة "تعدد الأصوات"؛ فقد حاول الشاعر المعاصر في البداية أن يعبر عن هذه الظاهرة بوسائل شعرية خالصة، كالموسيقا، لكنه سرعان ما انتقل نقلة نوعية معتمدا على النزعة الدرامية في إبراز رؤيته الشعرية، وقد تجسد ذلك في استخدام عنصر الشخصية والصراع والحوار، هذا الصراع الدرامي من شأنه أن يجعل بناء القصيدة ينمو نموا عضويا، وقد تعددت نماذج الشخصية في القصيدة الحديثة، وهذه الشخصيات" في الغالب تعبر عن أبعاد فكرية وشعورية متصارعة من أبعاد رؤية الشاعر أكثر مما تعبر عن أحداث درامية تتطور وتنمو، أي أن هذه الشخصيات المتحاورة المتصارعة بمثابة رموز لأفكار الشاعر وأحاسيسه"( ).
 
ومن التكنيكات المسرحية الأخرى التي استعارتها القصيدة الحديثة وطورتها، وأضحت مشكلا أساسيا في بنيتها الحوار، والحوار مرتبط ارتباط وثيقا بتعدد الشخصيات في القصيدة؛"حيث يفترض الحوار وجود أكثر من صوت، أو أكثر من شخصية في القصيدة، ومن ثم، فهو في الغالب يستخدم كتكنيك إضافي مع تعدد الأصوات أو الشخصيات، ولكنه في بعض القصائد يستخدم باعتباره تكنيكا أساسيا".( )
 
وقد استعارت القصيدة الحديثة- أيضاً- من المسرح فكرة الكورس أو الجوقة، وهم جماعة من المنشدين والمغنين في المسرحية الإغريقية القديمة، وقد كانت مهمة الكورس شرح الأحداث والتعليق عليها، والإشارة إلى بعض الأحداث التي لا يمكن تقديمها على المسرح، ومن خلال هذا الدور التقني للكورس استعار الشاعر المعاصر هذه التقنية، ووظفها في بعض قصائده؛ لتكون بمثابة صوت آخر خارجي ليراقب المسار العام للقصيدة.
 
وقريب من هذا، فقد اعتمد الشاعر المعاصر على الوثائق التسجيلية، والوثائق التسجيلية من أهم تكنيكات المسرح التسجيلي؛ وهو واحد من" التيارات الحديثة في المسرح المعاصر" يعتمد في مادته الدرامية- كما يقول واحد من رواده وهو الكاتب الألماني بتر فايس- على السجلات والمحاضر والرسائل والبيانات الإحصائية، ونشرات البورصات والتقارير السنوية للبنوك والشركات الصناعية، والبيانات الحكومية الرسمية، والخطب والمقابلات والتصريحات التي تدلي بها الشخصيات المعروفة، والربيورتاجات الصحفية والإذاعية"( ).
 
وخلاصة القول إن ميدان استفادة القصيدة الحديثة من المسرح واسع ومتنوع؛ إذ لم تقف استعارة القصيدة الحديثة من المسرحية عند حدود استعارة التكنيكات المسرحية الجزئية، من تعدد أصوات وشخصيات وحوار ووثائق تسجيلية وكورس وغير ذلك، بل تجاوزتها إلى الحد الذي يمكن أن نتحدث فيه عن مسرحة القصيدة، أو عن قصيدة تقولبت في قالب مسرحي، بحيث تجد فيها كل العناصر المسرحية المطلوبة.
 
وليست العلاقة بين الشعر والمسرح هي العلاقة الوحيدة التي تتشكل ضمن هذه التزاوجات الفنية، فثمة علاقات متعددة، بين أنواع كثيرة من فنون الأدب كالعلاقة بين الشعر والقصة، بل حتى بين الشعر والموسيقا، أو الرسم والسينما؛ فالشعر رسم بالكلمات، والشعر إيقاع أيضاً. بل إن تداخلا منطقيا واسعا يجمع بين اللونين الأدبيين الكبيرين: الشعر والنثر، ولم تعد المقاييس القديمة تصلح للتمييز بينها فلا قيمة للحديث عن وزن وقافية فقط للتمييز بينهما.
 
صحيح أن للشعر خاصية خارقة، من خلال نزعة الانحراف والإدهاش، التي تتشكل من خلال البناء الفني الذي يفرضه الشكل الإيقاعي، من نحو، وطبيعة الشعر التي تعتمد الرمز والإيحاء؛ فاللغة الشعرية تجمع بين القيمة الشكلية، والدلالية، ومن هنا، يصعب- معها- تحديد أسرار الجمال المشكلة لذلك الإدهاش، بيد أن التمييز الجوهري بين الشعر والنثر" لا يمكن أن يكون اختلافا في خصائص سطحية؛ كالوزن والقافية- مثلا- وهو-أيضاً- ليس اختلافا في بنية النص في أي ضرب من ضروب البناء كان، بل هو اختلاف في الصميم"( ).
 
بل إن القصيدة الحديثة ذهبت بعيدا في استعاراتها التكنيكية، فولجت باب السينما وأخذت تستعير منها تكنيكاتها الفنية؛ كالمونتاج، والسيناريو، وسواهما من أساليب صناعة السينما.
 
أما المونتاج السينمائي فهو عبارة عن" ترتيب مجموعة من اللقطات السينمائية على نحو معين بحيث تعطي هذه اللقطات- من خلال هذا الترتيب- معنى خاصا لم تكن لتعطيه فيما لو رتبت بطريقة مختلفة، أو قدمت منفردة"( )
 
والمونتاج بهذا المعنى "هو القوة الخلاقة في الحقيقة السينمائية، وأن الطبيعة تمدنا فقط بالمادة الخام التي يعتمد عليها التركيب"( )
 
وقد استعار الشاعر المعاصر هذا التكنيك بأنماطه وأساليبه المختلفة؛ حيت لجأ-في كثير من الأوقات- إلى" تقديم مجموعة من الصور أو العناصر المختلفة، التي تؤلف في مجموعها إطارا عاما لرؤيته الشعرية، أو تحدث تأثيرا متكاملا لم تكن هذه الصور أو العناصر- أو لنقل اللقطات بالمصطلح السينمائي- لتحدثه لو قدمت منفصلة، أو مرتبة على نحو آخر".( )
 
أما السيناريو، فهو تكنيك آخر لجأ إليه الشاعر المعاصر، بحيث أعاد ترتيب قصيدته وحولها إلى مناظر أو لقطات أو لوحات اتخذت شكلا سينمائيا محضاً.

الصفحات