أنت هنا

قراءة كتاب صابر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صابر

صابر

رواية "صابر" الصادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، للكاتب والأديب الفلسطيني سليم دبور، وهو كاتب روائي وسينمائي وتلفزيوني ومسرحي، وقد أهدى روايته إلى شهداء فلسطين في الضفة وغزة الأبية، والأسرى في سجون الاحتلال، وإلى كل ضحايا العالم.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 3
منذ أن رأى بصري النور وأنا أسمع نفس الأخبار والنتيجة الحتمية البقاء للأقوى. أصبحت القوة موزعة بشكل هرمي متسلسل وفقاً لقانون الغاب؛ الأسماك الضعيفة تخشى أسماك القرش، الدودة تخشى العصفور، العصفور يخشى الصقر، الصقر يخشى النسر، النسر يخشى الصياد، الصياد يخشى حماة الطبيعة، الصغير يخشى الكبير، الضعيف يخشى القوي، إذن البقاء للأقوى. الأقوى يُرسِل ويُملي، يحكُم ويسجن، يجلد ويهدد، ويفعل ما يشاء كونه فوق القانون، والضعيف يستقبل وينفذ وليس من حقه أن يعترض، وإذا اعترض فهناك سياط تنتفض، وشتائم تنهمر، ووسائل بطش لا حدود لها ولا حَصْر.
 
أحياناً تكون أحكامنا خاطئة، خاطئة جداً. لو تكاثفت خيوط العنكبوت أُجزم أنها ستُقيّد ملك الغابة، ولو هجمت عشر ديدان على عصفور لاستسلم العصفور، ولو هجم عشرة عصافير على صقر لهرب الصقر، ولو هجم خمسة صقور على نسر لمات النسر، ولو هجم ثلاثة نسور على الصياد لندم على اللحظة التي أحلّ بها صيد النسور. فالكثرة غلبت الشجاعة! ليست أيّة كثرة، نوعية الكثرة تهمّ جداً. لو كانت كثرة بلا عقل مستيقظ يقودها، وبلا ضمير حيّ ينصفها، وبلا قلب شجاع يحميها، فهي كزبد البحر لا وزن ولا قيمة لها.
 
الصغير يكبر مع تقدم الزمان، والضعيف يحظى بالقوة لو سعى إليها، والقوي يمكن أن يُلاحق ويُحاسب لو تجاوز قوانين الإنسانية، فلا أحد فوق القانون إلا الميت والمجنون، وتلك الزرقاء الخبيثة التي تتلاعب برؤوس من لا عقل لهم!
 
أرى كل شيء قابلاً للتغيير إلا الخبر. خبر مأساتنا، ضياعنا، شتاتنا. خبر ترابنا الأحمر الرطب، وعينان دامعتان ترقبانه عن مسافة لا تُقاس أبداً، ولا تقوى على الوصول.
 
أمقُتُ نفسي أحياناً، أمقُتها عندما ينتفخ رحمها ببذرة المرارة فتنجب اكتئاباً. يُخيّل إليَّ عندها أنه يوجد خطأ ما في فهم فلسفة الحياة، إن كان للحياة في بقعتنا فلسفة أصلاً. أنهال عليها بالأسئلة محاولاً انتزاع إجابة لأقمع فضول ما يشغل ذهني على مدار الزمان والمكان. أسألها أسئلة عقيمة، عميقة، ضعيفة، غبية، مدركاً أنني لن أحصل على إجابة منطقية تُثلج صدري العليل، ولكني أسأل على أية حال. أسأل فيتلذذ اللسان في نطق الحروف، ويُمقت القلب من الإصغاء لعفويتي: لماذا لا تتساوى القوة عند الجميع؟ لماذا يصر الضعيف على ضعفه؟ لماذا يسرف القوي في استخدام قوته؟ مَن قسَّم القوة؟ لماذا شعبنا هو الضحية دائماً؟ لماذا الجسد العربي مصاب بالشلل الدماغي؟ لماذا يملك زعماؤنا الذهب الأسود ولا يملكون العقل، بينما يملك الأغراب العقل وبذكائهم يسرقون ذهبنا؟ لماذا يُنصر الظالم؟ لماذا كان عليّ العيش في غرفة أشبه بقن الدجاج، وغيري ينعمون بالقصور؟ لماذا جُعلت لاجئاً؟ إلى متى ستظل السكين المتثلمة تحزّ أعناقنا والعالم صامت؟ متى سأغادر هذه المصحة الحمقاء، ومتى سيتوقف أولئك الساديون عن حقني؟ أسئلة لا نهاية لها تفتقد دوماً الإجابة الشافية.

الصفحات