رواية "صابر" الصادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، للكاتب والأديب الفلسطيني سليم دبور، وهو كاتب روائي وسينمائي وتلفزيوني ومسرحي، وقد أهدى روايته إلى شهداء فلسطين في الضفة وغزة الأبية، والأسرى في سجون الاحتلال، وإلى كل ضحايا العالم.
أنت هنا
قراءة كتاب صابر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
أنا على يقين أن هناك خطأ يجب أن يُعالج ليصلح وضعنا، ونرتقي إلى درجة البشر. لكن لا أدري أين يكمن هذا الخطأ، ومن المسؤول عنه. هل يكمن في حكامنا الأشاوس؟ أم في قدرنا العنيد الذي يمارس دوره علينا بلا رحمة؟ أم في صمتنا واستسلامنا وبيع جماجمنا لتجار الكلام؟ أين تكمن قوتنا؟
لكل كائن حي سلاح، لا أستثني كائناً، الأفعى سلاحها السم، والعقرب والنحلة والبعوض كذلك الأمر. الليث سلاحه الأنياب الحادة. الغزال سلاحه الخفة والسرعة. الطيور سلاحها المخالب والأجنحة. كل كائن حي أعطاه الخالق سلاحاً، فما هو سلاحنا نحن كبشر؟
إذا كان العقل- الذي ميزنا به الله عن البهائم- هو سلاحنا، فيا له من شر سلاح! لأن عقولنا قادتنا إلى الضياع، قادتنا إلى حفر قبر إنسانيتنا بأيدينا مخيّرين لا مُجبرين، قادتنا إلى صنع أسلحة الدمار الشامل، وإبادة الحياة بالذرة، قادتنا إلى تلويث الكون وإفساد الأرض والأجواء، قادتنا إلى قتل أنفسنا بأيدينا فتحولت أجسادنا إلى حقل للتجارب.
ما يزيد جنوني أن أولئك المجرمين الذين كرّسوا حياتهم لصنع أسلحة الدمار الشامل؛ مبيدة البشر والحجر، يلفظون أنفاسهم الأخيرة بكلمات اعتذار للبشرية نادمين على ما صنعته أيديهم. تضحكني كلماتهم وقت الهرم، وجوههم المتجعدة تثير شهوتي في البصق عليها. يضحكني اعتذارهم بشكل هستيري، وكوني أعتبر نفسي من فصيلة البشر، ولي الحق في الكلام، أقول لهم: سحقاً لكم لما صنعته أيديكم الدامية، ابحثوا في قبوركم عن مصرف مخبول يصرف لكم شيكات الاعتذار أو عن إله فاسد يقبل الرشوة فيقبل ندمكم أو اعتذاركم، أما أنا فلن أغفر لكم حوبتكم في تدمير هذا الكون.
أتساءل: لماذا وصل الحال بالبشرية إلى هذا الحد الفظيع؟ لماذا لا نسمع إلا الأخبار الممقتة في كل مكان؟ أخبارنا تدل على فشل الساسة في صنع عالم يسوده الحب والمساواة والسلام والتسامح، يفشلون في استخدام منطق مستقيم، فيلجأون إلى القوة ويفرطون في استخدامها.
أسألهم بصوت مسموع: من يستخدم القوة؟ هيا أجيبوني! هل قلتم الحيوان؟ معذرة أيها السادة صناع القرار؛ أجزم أن آذانكم معطوبة لا تلتقط ما يقال من كلام، أمصرّونَ أنتم أنني قلت الحيوان؟ إذن كما تتمنون لن أخيِّب ظنكم، الحيوان هو من يلجأ إلى القوة، أتدرون لماذا؟ ببساطة لأنه حيوان. هيا جهزوا قيودكم الفولاذية وزنازينكم المظلمة لتزجِّوا عظامي بها، هيا انتزعوا حساء النكد ورغيف الذل عن مائدتي فلم يعد طعامكم يشبع صمتي، هيا شغٍّلوا القضاة وحيكوا التهم فأنا مجنون والمجنون أبداً لا يُدان.