أنت هنا

قراءة كتاب ينابيع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ينابيع

ينابيع

كتاب "ينابيع" هو كتاب شعري زجلي؛ إنّ الزّجلَ بحرٌ من الكلماتِ المتماوجةِ الّتي لا ترسو عند أذن المستمعِ، إلاّ إذا كان البحّارُ ماهرًا، وشحادة خوري زجّالٌ شاعرٌ يعرفُ كيفَ يدير دفّةَ الكلمةِ فتبحرُ نحونا سلسةَ القيادِ، عذبةً، تبلّلنا برذاذها فنصحو من لهاث أي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1
تقديم
 
الزّجلُ مِلحُ الشِّعر
 
راوية جرجورة بربارة
 
إنّ الزّجلَ بحرٌ من الكلماتِ المتماوجةِ الّتي لا ترسو عند أذن المستمعِ، إلاّ إذا كان البحّارُ ماهرًا، وشحادة خوري زجّالٌ شاعرٌ يعرفُ كيفَ يدير دفّةَ الكلمةِ فتبحرُ نحونا سلسةَ القيادِ، عذبةً، تبلّلنا برذاذها فنصحو من لهاث أيّامنا، ونستجمّ على شواطئ المعاني مستمتعين بشمسِ القصيد والمعنّى والعتابا والموشّح والقرّادي... متغافلين عن همومنا، تاركين الشّاعر يعبّر عن خلجاتنا واختلاجاتنا.
 
شحادة خوري شاعرٌ موهوب، لم يترك الحبلَ على الغارب، إنّما أمسكَ زمام موهبته وهذّبَها وطوّرها بالجهد والقراءة والثقافةِ والاهتمامِ والجدّيّة والمواظبةِ، فصقلَها مرآةً تعكسُ واقعَ المجتمعِ، بادئًا بالأنا العائليّة باثًّا حبّه ومشاعره لأهلِ بيتِه؛ زوجته وأولاده وأقربائه، مهنّئًا إيّاهم في كلّ مناسبةٍ عائليّةٍ، تاركًا الشّعرَ يعبّر عن مشاعرَ صادقةٍ اتّجاههم، منطلقًا نحو الآخر المتمثّل في كلّ مَن كان في ضيافتهم أو كانوا في ضيافته، باعثًا البسمة والكلمة الصّادقة، متحدّيًا كبار الشّعراء كزغلول الدّامور وعادل خدّاج واثقًا من قدرته على الأخذ والردّ، رافعًا شِعره نحو مصافّ الزجل اللبنانيّ المجرِّب، داعيًا إلى صحوةٍ عربيّةٍ، ووحدةٍ شِعريّةٍ تمحو الحدود وتوصل التاريخ بالجغرافيا، ليتعانقَ الزّجل الفلسطينيّ مع اللبنانيّ في عمّان محقّقًا جزءًا من حلمِ كلّ منّا.
 
كلّما أبحرتُ في الدّيوانِ وجدتني لا أَملُّ، بل أستزيد من خفّةِ الظلِّ وانسيابِ المعاني، من الاهتمام بالآخَر وتحدّيه، من التعاطي مع أمورٍ حياتيّةٍ معيشةٍ، هي نحن، وشحادة بشِعرِهِ لسانُ حالِنا.
 
بنى لنا شحادة بديوانه قصورًا على شواطئ أحلامِنا، لكنّها ليست من رمال، بل من كلماتٍ هي، كلماتٍ راسياتٍ في موانئ الأدب، لأنّه مع زملائه الشّعراء الزجّالين في بلادنا يعيدون للزجل هيبته وقيمته، ويحرصون على أن يبدو لنا وللأجيالِ القادمةِ رافلاً بأحلى حلّةٍ، معلّمين إيّانا مبادئ الحوار الصحيح الذي لا يُفسِد فيه اختلافُ الآراءِ بين النّاس موَدّةً.
 
إذا كان المؤمن هو ملح الأرض، فالزّجل هو ملحُ الشّعرِ، له نكهةٌ خاصّةٌ لأنّه الوحيد القادر على التواصلِ مع الكلّ على اختلافِ ثقافتهم وميولهم ومعرفتهم، يعرفُ كيفَ يطرقُ باب الناسِ ويدخل دون استئذانٍ، فيصبح سيّد الموقفِ إذا كان شاعرُهُ سيّدَ الكلمةِ، وشحادة خوري من أسياد الكلمةِ الزجليّة المحترفةِ في بلادِنا، وديوانه الحاليّ هو توثيقٌ للأيّام وللتّاريخِ الذي لا بدَّ أن يذكر دور هذا الشّاعر الذي لم يتنازل عن حلمه، بل انتظر على موهبته ردحًا من الزمن يقارب الأربعين عامًا، وتركها تتعتّق بالتجربةِ وتتخمّر بالمشاهدةِ والممارسةِ، حتّى قرّر أن ينطلقَ بجرأةٍ، فشقّ طريقه بخطًى ثابتة، مؤمنًا بقدرته الشّعريّة، تدعمه عائلته وزوجته الّتي رافقته في أغلب حفلاته تدعو له بالتوفيق وتشدّ أزره بالمساندةِ، فالتفّ المستمعون والقرّاء والشعراء حوله.
 
كلّ قصيدةٍ في الديوانِ عالَمٌ قائمٌ مليءٌ بالتّعبير صاخبٌ بالإيقاعِ، بجرْسِ الكلمة ومعناها اللذيْن يلتقيان في خطوط متلاحمةٍ لتولدَ القصيدة مزدانةً بقوافيها وأوزانها، مختالةً بأنواعِها؛ بين القصيد والموشّح والعتابا والقرّادي والمعنّى والشروقي والحواريّات، معجونةً بناسِها من فرسانها الشّعراء ومن الممدوحين، موشّحةً بصورها الجميلة، فتترككَ قصيدةٌ لتأخذكَ إلى ثانيةٍ وثالثةٍ... لتجدَ روحك منطلقةً تنهل من مناهل شعر هذا القدير، شحادة خوري.
 
شاعرنا شحادة؛ نقرأ هذا الديوان مرارًا وتكرارًا، منتظرين نبعك القادم من مَعينِكَ الذي لا ينضب.

الصفحات