رواية "دماء متناثرة" السلسلة الأولى من روايات الخيال؛ حينما يقلق هدوء الليل صوت صفارات الإنذار تدوي بذاك المبنى القديم الذي يعود تاريخه إلى ما يقارب المائة سنة من الآن، وبالرغم من تلك السنوات إلا أنه حافظ على هيئته التي تشبه قصور الأمراء والنبلاء بالعصور ال
أنت هنا
قراءة كتاب دماء متناثرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
لقد مات الخال أريك بعدما أوصلني للمدرسة ذات يوم بحادث سير مروع، اصطدمت سيارته بشاحنة ضخمة أدت لتحطم السيارة شر تحطيم وقطع رأس الخال المسكين وتهشم جسده··· لم أكن يومها تجاوزت عمر الثامنة وأيقنت بأن كل تلك الأمور تحدث بسببي وأن القدر ألقى علي لعنته متناسيا أني مازلت طفلة لا أفقه شيئا وعزمت من ذلك الوقت أن أغير سلوكي المرح والعفوي إلى الاعتزال والرفض··· كان جداي حزينين لما أصاب ابنتهما الوحيدة ومن ثم أريك الشاب الذي كان لا يزال في عقده الثاني وكنت أتذكر كلمات الخال أريك لوالديه قبل وفاته بساعات وهذا ما دفعهما ربما للتعلق بي بشدة:
إنها بحاجة للحنان الأبوي فيجب أن لا نحرمها منه بما أنها فقدته وهي لا تزال صغيرة
لقد حضرت مراسيم دفن الخال أريك وبيدي الدمية جوني التي أبيت انتزاعها من يدي حينما أراد جدي أخذها وبعد تعب وإثارة أعصاب رضخا للأمر بدون اقتناع ولكن الخال أريك كان نقطة الضعف لديهما حينما ذكرتهما به وأنها الذكرى المتبقية لدي بعد وفاته·
كانت تلك هي المرة الأولى التي أحضر بها جنازة، رأيت حشدا من الرجال يرتدون البدل السوداء وارتدت النسوة الفساتين السوداء مع قبعة ووشاح على وجوههن؛ وارتسمت عليهم ملامح الوقار و الحزن العميق··· حدثت نفسي وأنا احتضن الدمية جوني بكل قوتي لدرجة الخنق، محاولة كتم دموعي التي لم أذرفها مطلقا على أي كان، حتى والداي لم أستطع أن اذرفها لحظة لأجلهما لأنني لم أكن مدركة لما حولي··· فكرت وكنت أخاطب الدمية جوني أكثر مما كنت أخاطب نفسي··· لقد مات الخال أريك ولا أريد أن أفقدك أنت أيضا وحينما أنهيت جملتي أطلقت صيحة عميقة وكأنها كانت محبوسة في أعماقي وأرادت الخروج قبل فترة طويلة وانهمرت الدموع المكبوتة بداخلي منذ زمن بعيد وجثوت على ركبتي وأنا ما زلت أطبق على رقبة الدمية جوني فتقدمت مني جدتي وهي شبه مذعورة من رؤيتها لي بتلك الحالة الرثائية فقالت وهي تحتضنني:
فلتهدئي يا صغيرتي الجميلة··· عليك بالصلاة وتلاوة الأدعية من الكتاب المقدس لترسلي أسوار الرحمة إليه
أردت حينها أن أرد عليها بغضب وألم خانق إلا أن لساني لم يساعدني على التفوه بكلمة واحدة فأحسست وكأني فقدت قدرتي على الكلام· مرت الأيام والشهور وجداي يعاملاني كابنتهما الصغيرة، فلم يحرماني من أي شيء يذكر سوى الحلويات التي أدت لتسوس أسناني الخلفية وعدم رغبتي للذهاب لطبيب الأسنان ليقتلع لي سنيً اللذين أصابهما التسوس، وتبا للطريقة التي اتبعاها لجعلي أرضخ للأمر وأذهب!، لقد أخفيا الدمية جوني وأخبراني بأنهما سيعيدانه لي في اللحظة التي انتهي فيها من نزع سني··· أتذكر لحظتها الشعور الذي انتابني وأنا أدخل ولأول مرة عيادة طبيب الأسنان، كنت خائفة حتى الموت من أدواته التي يستخدمها لنزع الأسنان··· جلست على المقعد وبدا يحدثني محاولا استمالتي لفتح فمي الذي أطبقت عليه بقوة وبعد مرور حوالي الثلاث ساعات خرجت وأنا أطبق فمي وعلامات الألم والذل تعلو وجهي العابس والبائس فعرفا أن الطبيب نجح بنزع سني المتسوس، بعد عناء مرير خدر جسدي لعدم استجابتي له بفتح فمي··· حينئذ شعرت بأني من نبيلات العصور القديمة حيث يجب أن أكون ذات هيئة جميلة وسنا التسوس لم يكونا إلا ملابس غير أنيقة وعلي عدم الاحتفاظ بهما، ورسخت تلك الفكرة بداخلي وبها اتبعت إرشادات غسيل الأسنان اليومي·


