أنت هنا

قراءة كتاب إعرابا لشكل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إعرابا لشكل

إعرابا لشكل

الكتاب الشعري "إعرابا لشكل"؛ للكاتب اللبناني شربل داغر؛ نق{أ من أجوائه:
شهوة الغائب عن ملكه
أُقبل عليها في هيئة الخارج منها·

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
يدي مبلولة
 
أُقبل مقتنعاً بما قاله لي صانع تقليدي في فاس، وهو أنه يحتاج دوماً إلى أن تكون يده مبلولة بالماء؛ أي أن لا ينفك عن العمل يوماً بعد يوم، مثل طفل مع طينته، أو خباز مع عجينه·
 
أُقبل من دون دعوة على طاولة الكتابة، على أن لي دعوة مفتوحة معها، تسمح لي بالمجيء ساعة أشاء، ولا تني تجدد وليمتها بمجرد أن أنصرف إلى أحد مقاعدها، بل إلى مقعدي الذي يبقى دافئاً، في انتظاري·
 
هذا ما أكتبه عن الكتابة· هذا ما أتمناه لي معها· وهو أن تكون في متناولي، في عهدتي، بتصرفي، تصرفِ القادر والواثق والذي يحسن العفو عند المقدرة هذا ما أحلم به معها، وهو أن تكون لي أمينة وعلى أهبة، مثل عداء قبل الصفارة الأخيرة· وأن تكون لي معها الخفة التي لبهلوان فوق خيطه الدقيق بين بنايتين شاهقتين وبعيدتين·
 
هذا ما أكتبه، لا ما أشعر به· ولا شيء يخفف من حدة الفارق هذا، إذ أن ما يربكني يقع في بداية الفعل، لا في وسطه، ولا في نهاية الحبل الواصل بين ريبتي ووصولي· ذلك أن فعل الإقدام نفسه يربكني، فعلَ الإقبال نفسه على هذه المهمة التي لم يكلفني أحد بها، ولم يتعهد لي أحد بأنه سيكون في عداد مستقبليها· وهو فعل تسبقني إليه عوامل التردد والتساؤل والخشية، من دون أن أنعم بما للممثل من عوامل مشجعة، ومقوية بالأحرى: الممثل يروح ويجيء في غرفة الانتظار، إلا أن بين يديه أو على شفاهه ما له أن يقوله، وإن يقوله بتردد وخشية وتلعثم، فضلاً عن أنه ينعم (في المسرح الكلاسيكي) بـملقن، على مقربة منه، يسبقه إلى تلفظ حوارات المسرحية·
 
طبعاً، ذلك أن خروجي إلى الكتابة فعل فردي بامتياز، لا تخفف من مفاعيله لعبةٌ مسرحية تسمح بالتلطي والتخفي والازدواج، بل بالتهرب منها عند الضرورة· فعلٌ علني، شفاف، تتنازعني فيه رغبات ورغبات، لي أن أجملها في أنني أرغب في قولِ أخصِّ ما عندي: فكيف أكون نفسي فيما أنا أتوجه إلى غيري؟ أو بإمكاني صياغة السؤال في صيغة أخرى: كيف أتوجه إلى غيري فيما أطمع في أن أكون لنفسي بالكتابة وفيها؟
 
أعرف أن عديدين سبقوني إلى الإجابة عن هذا السؤال بأقوال تفيد عن علاقة الخاص بالعام، والفردي بالاجتماعي، وغير ذلك من الأجوبة المتحذلقة والفارغة في آن· وهي أجوبة أشيح النظر عنها، ولا أصيخ السمع إليها، طالما أنها لا تتبين حقيقة الاعتمالات التي تصيب الكاتب في الكتابة· اعتمالاتٌ تصيبه كما تصيبها، على أن العلاقة بينه وبينها تشبه علاقة الكواليس بخشبة المسرح: الأبواب مفتوحة بينهما، تتبادل الحوار وتناقلَ الأدوار، فلا تخدم هذه تلك، أو تهيء لها الخشبة، بل يحدث العكس أيضاً، في لعبة خافية حتى على الكاتب نفسه· ذلك أنه، في هذا كله، ناطق فردي وناقل حوار، متكلم وخشبة، ذات وميدان، صوت ورجع أصداء· لهذا يحلو لي الحديث عن الكتابة بوصفها لعبة، بمعنييها اللاهي والجسيم، وفي آن· لعبة يكون فيها الكاتب لاعباً وساحة لعب···
 
هذا ما أقوله وقد لا يجد فيه كاتبون عديدون صورتهم، أو ما يناسبهم عن الكتابة وعن أنفسهم· هذا كلام يلزمني على الأقل، وأجد فيه مبتغى الكتابة، وسلواي فيها: أن تكون لي ويقرأها غيري· أن أطرحها على نفسي عبر الصفحات لأتبينها، فيما يتنبه غيري إليها على أنها تومىء إليه، وتتوجه إليه وإن بخفر أو بإمالات للكلام وحسب·
 
كتابة فيها جلبة، وفيها صوتي· أحدهم يسمعها على أنها له وحده، بل قد يتبناها ويتوجه بها إلى غيره على أنها من كلامه المخصوص·

الصفحات