أنت هنا

قراءة كتاب صهيل الأسئلة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صهيل الأسئلة

صهيل الأسئلة

المجموعة القصصية "صهيل الأسئلة" الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
-يا الله يا راجل، الحزن للحريم، هذه حكمته سبحانه وتعالى، يا الله، انهض، نحن ندفع لك دولارات لكي تعمل لا لتنام·
 
يهزّني تعليقه الجاف ولهجته الناشفة، أرمق بقرف أنفه المفلطح وفكّه المتين ثم ينزل بصري إلى بطنه المكوّر، أعجب كيف ينحني هذا الرجل للصلاة وأتساءل عن حاجة هذا المتخم إلى الله·
 
أرتدي زي العمل بخمول شديد، المسألة تتمثل في المحافظة أثناء مثل هذه اللحظات الحرجة على هدوء الأعصاب، يقرر كريدو الخروج معي للعمل حصة إضافية، أسمعه يهمس بكلمات فلبينية غامضة وأراه يبسط كفّيه وكأنه يتضرع لله، ينتصب الرجل الغبي أمام الباب منتظراً خروجي ومحدثاً بصوته العالي ضوضاء قوية جعلت بقية العمال الساكنين تلك البيوت الواطئة يخرجون لاستجلاء الأمر·
 
أجلس خائر القوى على المقعد الخلفي من سيارة اللاندروفر يتصاعد الغضب بداخلي، يأخذني لهاث سريع، أدرك فقط في تلك اللحظة سر موت المعلم طاهر:
 
لا بد أن الشمس والغضب قد تحالفا عليه
 
طاهر رجل شديد الأناقة وناعم الكلام· أعرفه منذ كنا ندرس معاً بمعهد الكاف غير أنه اكتفى بالشهادة الثانوية والزواج مبكراً من قريبته بينما سافرت إلى روسيا لإتمام دراستي في الهندسة الكهربائية··· فجأة التقينا هنا، جمعتنا رغبة واحدة هي أن نجمع المال الكثير بأقل سنين ممكنة؛ ولكنني اكتشفت أنه تغير كثيراً انطمست في نفسه كل متع الحياة وكأن كآبة غامضة سكنت أعماقه، وفي المرات التي كنا نجتمع فيها للسهر يصدح بصوته الجبلي المشحون برقرقة أسى عذبة مغنياً للمطربة صليحة بعضاً من أجمل ألحانها: هجر الحبيب، في الغربة فناني، يا خيل سالم، فوق الشجرة أم الحسن غنات، بخنوق بنت المحاميد· يخيم صمت عميق على الأصدقاء وهم يتأملونه مأخوذين بسحر غامض، بعضهم كان يحاول كبح جماح دمعة تريد أن تفرّ من عين ذهبت بها الذكرى إلى أرض بعيدة·· ذات مرة قام أحد الأصدقاء من مكانه ملتاعاً وبسط كفيه نحو السماء صارخاً بجنون:
 
- ربّي، أمطرنا خمرة حتى تكتمل نشوتنا·
 
حين يتوقف طاهر عن الغناء يغرق الجميع في سكون بالغ أما هو فيبدو وكأن الغناء قد حرره من ضغط نفسي ثقيل· أسأله عن ظروفه بالعمل فيجيب بصوت مهيب:
 
- أحاول فقط أن أكيف مزاجي مع مفاهيم حمقاء صارت تتحكم بي·
 
كنت أعرف أنه يعاني من مشاكل عميقة في عمله، قبل وفاته بيوم واحد روى لي أن مدير المدرسة أعاد له دفاتر التلاميذ صارخاً في وجهه:
 
- ما هذه النتائج الضعيفة ؟ أتريد أن تحصل مصيبة ويقع طردك من البلاد ؟
 
- هذه النتائج هي الشهادة الحقيقية لمستواهم إنهم مدللون وكسالى·
 
- ليس من حقك أن تصدر الأحكام وتقرر مصيرهم· نحن ندفع لك دولارات ليس من أجل أن تجعل أطفالنا يرسبون، يا الله، غيِّر الأعداد، وإلا سنأتي بغيرك، هناك ألوف يشتهون الوقوف مكانك·
 
أطللت في ذلك المساء على وجهه المتوتر فوجدته غارقاً في فوضى أوراقه يعيد صياغة الأعداد والحسابات· أتساءل بحزن وأنا أتأمل ارتجاف أصابعه·

الصفحات