"تراتيل الوأد" رواية تناولت واحداً وأربعين يوماً من حرب الخليج الثانية. إحتلال الكويت عام 1991. وتأثيراتها على العراقيين البسطاء الذين حشرتهم الأقدار بين رحى الحروب الطاحنة والحصارات المركبة من جهة ورحى المصالح الفردية على حساب إنسانية الآخرين من جهة أخرى.
أنت هنا
قراءة كتاب تراتيل الوأد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
* جواد خلف
هل يكفي الأستياء وحده للترويح عن النفس، في الساعات الأولى من الصباح، أم يكفي الغضب وكيل الشتائم واللعنات؟· لا أدري!· حقيقة لا أدري!· لأني لم أعرف ان كنت مستاء أم غاضباً وأنا أسمع دوي الانفجارات المرعبة في المدينة·
بدأت الحرب إذن، فكيف ستنتهي؟!· سؤال آخر لم أعرف له جواباَ في هذا الصباح، صباح الخميس، الذي يفترض ان يكون استهلالاً ليوم أعراس صاخب كالعادة· ولكن؟!
- تذهب؟!
سألتني زوجتي قلقة وأنا أتناول قدح الشاي· نظرت في عينيها الذابلتين، اللَّتين أحببتهما في يوم ما، بدا لي الآن بعيداً· ولم أرد· خرجت·
كنت قد حدثتها عن كل شيء، الا كوني موظفاً مطيعاً في البلدية، لا حدود لطاعته ومثاليته· هكذا أكّد مديري، البدين، المتأمّل أبدأ في ساعات وحدته، الذي يحمل على كتفيه رأساً كبيرة، (كّله مخ)، أكبر من أي رأس في الدائرة، لواحد من ضيوفه الكبار وأنا أدخل غرفته ذات مرة، فأسعدني اعتراف (المخ الكبير) بجدارتي وكبر أملي في نيل كتاب شكر يحفظ في اضبارتي الوظيفية· ولكن؟!
كان الشارع شبه خال من السيارات، وقد تكدس المارة بالرتابة نفسها في محطة الانتظار، ولكن العيون ظلت تبحث بقلق عن تلك الطائرات المغيرة، وكنا نتحرق شوقاً لاشتباك جوي حاسم بين طائراتنا وطائرات الأعداء، ولكن؟!
عدت الى البيت بعد أكثر من ساعتين· الحافلة الوحيدة التي وقفت بقربي تماماً لم أستطع حتى ملامستها لكثرة ما انحشر في مدخلها من بشر· وما كنت أجيد هذه اللعبة منذ الطفولة· كانت الحافلة تهتز في مكانها حتى خيل لي، وربما تمنيت بشيء من اليأس الخبيث، أن تنقلب· ولكن؟!
ولم أستطع نزع ملابس العمل· رحت أدور مثل مشدوه حقيقي بين غرفة النوم والمطبخ متعثراً بالأطفال وأشياء البيت· لم أتغيب عن دائرتي من قبل قط· وما عدت أستطيع التفكير بشيء محدد، الآن· ثقل كبير يضغط رأسي من الداخل، فيما كانت الأغاني الحماسية تتوالى من المذياع الصغير، بدأت الحرب، ولكن؟!·
كانت طفلتي الصغيرة (أمل)، ملقاة على الأرض· عيناها فقط تلاحقان الحركات العابثة لأخويها (نفل) و (رفل)· نظراتها غائمة بلهاء، كنظرات حيوان صغير أحمق لا يفهم ما يجري حوله، أطرافها سائبة تماماً· ووحدهما عيناها السوداوان، اللامعتان، تذكران المرء بأن حياة ما زالت في جسدها الصغير، الذي تنبعث منه رائحة الأدوية ونتانة الملابس المتسخة· وكان فمها الصغير مفتوحاً على نداء صامت· ولكن؟!
كان صوت الانفجارات يذكر المرء بأن حياة ما ما زالت مهددة بالزوال في المدينة·
- انقطعت الكهرباء!·
صاحت زوجتي مندهشة· غاضبة· بصوت واهن· فأردت أن أفعل شيئاً ما، أي شي، ولكن؟!