أنت هنا

قراءة كتاب تراتيل الوأد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تراتيل الوأد

تراتيل الوأد

"تراتيل الوأد" رواية تناولت واحداً وأربعين يوماً من حرب الخليج الثانية. إحتلال الكويت عام 1991. وتأثيراتها على العراقيين البسطاء الذين حشرتهم الأقدار بين رحى الحروب الطاحنة والحصارات المركبة من جهة ورحى المصالح الفردية على حساب إنسانية الآخرين من جهة أخرى.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
* أبو الابرد البدراني
 
كانت الشمس عالية، وخيولنا مغيرة مثل الصواعق، عندما ساقتني قدماي، بحكم العادة، نحو "قهوة" القرية، وفجأة انحرفت فرس بخيّالها عن الميسرة فتبعتها أخرى، خائنتين كانتا، هكذا أيقنت، في الليلة الماضية، على ضوء الفانوس· خؤولة رديئة، قلت، وانحرفت الميسرة كلها خلفهما· ما عادتا تقويان على حملي مسافة طويلة· وما كانتا مريضتين· وأن هي الا لحظات حتى انحرفت مقدمة الخيل كلها خلف الميسرة· تركتاني مرمياً مثل الحيوانات الداجنة المريضة في قن· أنا القاتل· وأنا القتيل· انحرفت بفرسي قبل أن نصل البيوت· بيوت الشعر· بمسافة قليلة وقلبي مرعوب· أنا المقتول· أبو الابرد· القشعام خلف· الذي صار عمره مائة عام، ربما أكثر بقليل· ربما أقل بقليل· لم أترك مكاناً في هذا الوطن لم تطأه قدماي· وانطلقت نحونا نيران ثلاث (برتاوات) معاً· سرقت كل شيء حتى بيوض الأفاعي· وسقط فارس منا· خيانة كانت· والعمر يوشك أن يغيب· ركنت فرسي نحو مشرق الشمس مشرعاً بندقيتي، من فوق اذن الفرس، وأطلقت النار· اقتربت من الموت· اقتربت· وانطلقت (البرتاوات) اللعينة كلها نحوي وحدي· الرفيق ذمة· عمت عبر الرصاص والبارود نحوه، وما فكرت بالموت قط· كان قتيلاً، يشخب صدره دماً من جرح، قربة مبعوجة كان، وما زالت رائحة عرقه تنبعث، وباليد الأخرى أطلقت النار ثانية· ونجوت، فرسي كانت أسرع من الرصاص، وأسرع من يد صديقي القديم عزرائيل· فنجوت· شربت نهراً من القهوة المرة وأكلت أحمالاً من التمر والبيوض· وضحكت كما المجانين على جثته· وبكيت· في القهوة· وان كانت عيناي قد جفتا من الدمع منذ زمن بعيد· رأى الفارس ثعلباً فأقسم عابثاً ان فرسه قادرة على اللحاق به· يا له من زمن!· ولحقت به الخيول المغيرة· ظن البعض أنه رأى هولاً أمامه فهرب· في طريق واحد لا عودة منه· لا اتجاه غيره· وكان الضحك· وكان البكاء· بدأت الحرب· قالوا ليتها حية الآن فرسي لسابقت الموت ثانية· بكيت بلا دموع· أين هم الآن· أولادي؟!· فضلوا المدينة· ثمة حلوى ونساء· وطين القرية يمتزج دائماً بروث البهائم· نسوا ان للمدن حروبها، ان لم تكن سبباً لكل الحروب· نسوا (القشعام) في قنه هنا وما عاد غير واحد منهم يرسل عشرة دنانير لعينة في نهاية كل شهر· وأنقرضت الخيل، ولكن الحروب لم تنقرض، وما زال التبغ الرديء رديئاً، والقهوة، والقرى، الآفاق البعيدة، والذئاب·

الصفحات