كتاب "الأعمال الروائية" للكاتب جمعة اللامي عراقي التكوين والهوى، ويصعب أن تضعه في غير هذا المسار، إلاّ إذا راهنت على أمر آخر يقيم ما بين الميراث الحسيني والتصوّف.
قراءة كتاب الأعمال الروائية - جمعة اللامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

الأعمال الروائية - جمعة اللامي
الصفحة رقم: 4
ولكن (الثلاثية الاولى) معنية أيضاً ببناء هؤلاء الشخوص، ظهورهم في الحياة العراقية، وخفوتهم عندما تزداد الغمة وتمتلىء الدنيا جوراً: فجمعة اللامي يريد من (الثلاثية الاولى) أن تكون سيرة موضوعية، لكنها ليست السيرة المدونة بتباطؤ تاريخي يلجأ الى التسلسل، وإنما هي السيرة التي تنتفض في حلقات: فبطله تميز بعدم الخوف، بالتحدي الفائق، والشجاعة، منذ أن أطل على الدنيا، وهو يقول: (لم يعد المطر يخيفني، ولا الرعد عاد مدعاة للاختباء في المنازل، أحسست أن في جسده قوة أسطورية، وأنني أستطيع منازلة العاصفة في بؤرتها)· وتحقق ذلك، ونازل العاصفة في بؤرتها، وبقي ملازماً لأفكاره، ما بين (الماركسية) و(التصوف)· كان يدري بمصيره أيضاً، وأن أمه التي يراها متابعة له في سجونه منذ عام 1960 بدت تسجيداً لأمهات العراقيين اللواتي حملن ألمهن في فجيعة السياسة العراقية ما بين محتل غاصب وسلطة ما بعد الاستقلال التي ضاعفت من بطش المحتل وزادت عليه دهاءً وقمعاً· ولربما نجا عبد الرزاق الناصري (كريم البقال) وذهب (غريب المتروك) - أي رزاق النجار - شهيداً كما أراد عندما رأى ما رأى وتوقع ما توقع وترك بندقيته عند قدمي مدير الشرطة مستسلماً أمام الوعد الثوري الذي جاء مع تموز 1968· هؤلاء الاشخاص هم مقاطع أساسية في تاريخ مدينة الناصرية، وشعروا بالضياع بعدما غادرهم عزيز السيد جاسم الى بغداد، وأرادوا اليقين وبحثوا عنه بطرائق مختلفة· ولم يكن عزيز الموسوي، كما هو في الرواية، يطمئن الى تجريد (العفة الثورية)، فهو يراها مهددة هي الأخرى، وذاكرته تدلهم ما بين المرتجى والمؤمل، الفهم المادي للتاريخ وشطحات المتصوفة· تقول الرواية: (ان عزيز الموسوي يعرف مخابىء ذاكرته وزواغيرها، كذلك يعرف كم هي موحشة مفازات قلبه· وهو لذلك لا يطيق صبراً على أن يظل خارج حركة الفصول· إن الذاكرة ستظل ملكاً للماضي، وليس كل الماضي خاطئاً، بينما العقل والقلب يحاوران الحاضر)· إنه يجمع التصوف بالماركسية، ويبقى مأسوراً بين الاثنين ساعياً الى التأثير في الناس، تفعيل وعيهم، وإلا تبقى دنياه موحشة·
والسيرة تصبح سيرة الباحثين عن يقين، من دون رتوش، فالمتصوفة والثوريون الأنقياء والطاهرون لا يريدون صكوك الغفران والرضا من أحد، ولا يتبارون في محافل العلاقات العامة بحثاً عنها، وهم لذلك بدون شبكة انتشار، لا يريدون علواً في الأرض، ولهذا يصعب العرض لهم سيرةً· وبمثل هذه المهمة، مهمة اصطفاء الطاهر المظلوم لا بد لجمعة اللامي أن يخلط شجنه بالكلمات التي ينمو داخلها عزيز الموسوي· فالثلاثية الأولى هي قطب الرحى وقطب السرور، هي الألم، ولكنها المنتهى، ألم يبق الحسين الشهيد في الذاكرة برغم المنابر التي وظفت لشتمه ولشتم آل البيت؟ ألم ينته خصومه بعد أجيال وأجيال وذاكرته وذكراه هي الباقية؟ لهذا تكتسب كلمات أبي مخنف طراوة لم يخنقها التاريخ كعبرات الثكالى وصرخات الرباب· وهكذا لم يختف عزيز السيد جاسم من كتابات جمعة اللامي: بقي القطب، السيد، الشهيد، صاحب الحق والفكر الثاقب·