ذكرياتنا هل تموت؟ ربما نفقد بعضها وربما يخفت البعض الآخر منها لكن الجزء الحبيب والعميق في النفس يظل الصدى يهز شغاف القلب بين الحين والحين··
قراءة كتاب شخصيات وذكريات - المجموعة الثانية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
شخصيات وذكريات - المجموعة الثانية
الصفحة رقم: 2
عبدالرحمن منيف
ولقاء خارج السفر!
أكثر من مرة التقينا، ولكن على عجل·· كلمات مجاملة وتعبير عن محبة صادقة وإعجاب كبير، ثم نفترق لزمن قد يطول أحياناً·· ونعود نلتقي مثل ذلك اللقاء العاجل بمناسبات تجمعنا، ويعود تبادل الإعجاب والمحبة من جديد.
الملاحظ في تلك اللقاءات العاجلة أنني أشعر بصدق وأمانة هذا الرجل الأديب الكبير الذي نقرأ رواياته بمهابة وتقدير، أنه يحمل إضافة إلى قدراته الكبيرة المبدعة أدباً آخر في نفسه وسلوكه وفي كل تعبير عن حالة أو موقف أو رأي، إنه مؤدب حد النقاء··!
كنت ألتقيه في الشارع وكان قد شاهد تمثيلة عبود يغني عرضت على شاشة تلفزيون العراق عام 1975 فلا يقول سوى جميلة ي ضحكها وبكائها·· ويضحك بإيجاز يعبر عن مرارة ذلك الضحك·
وأراه في مطار بغداد مع الأخ (جاسم المطير) حيث كان ينتظره وهو قادم لبغداد وأنا مغادرها·· فيتوقف ليقول: دعنا نلتقني خارج السفر!
وتمضي سنوات، وعبدالرحمن منيف في البال، وأمام العين مئات الصفحات الزاهية·· والإبداع المتجدد اقرؤها بين حين وحين لهذا الكاتب الفذ··
وفي بغداد في العشرينات ليكحل صفحاتها الأول بمقدمة يكتب فيها عن المؤلف -عباس بغدادي- وعن قيمة الكتاب توثيقاً وتأريخاً وأدباً يعجز آخرون عن التقاطمكانة ذلك الكتاب وصاحبه·
وفي عمان - مجمع المغتربين كما أسميتها·· وفي بيت الصديق باسم مشتاق، التقينا مع الأستاذ عبدالرحمن منيف بسهرة طالت ولم تكن على عجل·· لكنها أسرعت لتنتهي ونحن جياع لأحاديث ممتعة مفيدة وغنية في كل ما قاله ونطق عبدالرحمن منيف·
قلت له: أتذكر لقاءنا العاجل في المطار، حين تمنينا أن نلتقي خارج السفر؟
قال: أتذكر وها نحن نلتقي ولكن داخل السفر! أنت مسافر وأنا مسافر! ومن نحن بضيافته·· مسافر! لكن الذي يجمعنا ويخرجنا عن السفر هو العراق·
ويعود الحديث والحوار ليتحدد ويستمر وأتحدث عن كتابي شخصيات وذكريات فينصت لي باهتمام·· كيف تناولت الأصدقاء والأقارب·· وسجلتهم في ذلك الكتاب بلا تقليدية أو أرشيفية محضة·· ويلتفت إليّ ليقول بكل تواضع··
من كتب مقدمة الكتاب؟
قلت: لا أحد بعد··
قال: أتسمح لي بكتابتها؟
لحظات سكت!! وفجأة صرخت بفرح·· أنت ونهضت لأقبله وأحتضنه، ليعيد كلانا كلمات شكر متبادلة لكنني وفي قرارة نفسي شعرت أن عبدالرحمن منيف هو صاحب الفضل!
وأسافر·· ويسافر، وتأتيني المقدمة بخط عبدالرحمن منيف بعد أن قرأ مسودة الكتاب·· عن (128) شخصية فارقت الحياة وقد ارتبطت بهم من خلال المسرح·· وأقرأ سطوره وأعيش نشوة واعتزازاً، وأقول ذلك وأدعوه للقاء جديد·· خارج السفر في بغداد·· هذه المرة·· لكن بغداد - هكذا علمت كانت مغلقة أمامه··! وقلوب من في بغداد مفتوحة له بلا حدود ولا سدود·· وابدأ بتهيئة الجزء الثاني منشخصيات وذكريات لكنني جمعت هذه المرة في ذهني وذاكرتي·· أكثر من الذين ضمهم الجزء الأول، فقد فتحت الصفحات لا للذين فقدناهم بل للأحياء ممن عرفت وكان لهم وما زال موقع وأثر في مسار حياتي المسرحية والفنية والثقافية، وبدأت أستعيد آخرين لم تكن الظروف التي أحاطت بنا تسمح بنشر أي شيء يشير إلى قيمتهم ومكانتهم المتقدمة على مختلف الأصعدة السياسية والفنية والفكرية···
وهنا عاد عبدالرحمن منيف حين اقترح عليّ أن يكتب مقدمة شخصيات وذكريات وشرفني فعلاً حين كتبها·· هذه المرة قررت أن أقترح أنا عليه ذلك·· في الجزء الثاني الذي تجمعت مادته·· وحسب ظني أنه لن يرفض·· وبدأت أستفسر من بعض الأصدقاء عن مكانه الآن·· فأنا أدري أنه بدمشق أو بيروت أحياناً وربما في القاهرة أو عمان· وتساءلت هل سيمر ببغداد! وتذكرت كيف كن يتحدث عن بغداد وعن أيامه واقاربه وأصدقائه فيها·· ويتنسم هواءها ويتحدث وكأنه يقرأ شعراً·· بغداد جزء من حبي الخالد وزهو أيامي وانتظرت، عساني أرصد مكانه لأكتب له·· كي يتشرف الجزء الثاني بكلماته التي ستضفي على الكتاب مكانة من التقويم الذي وجده الجزء الأول·
لم أنتظر طويلاً·· فقد جاء الرد قاسياً معذباً مفجعاً: الموت مات الكاتب الفذ والصديق الصدوق والإنسان النبيل النزيه عبدالرحمن مينف! ونحن في الشهر الأول من عام 2004·
ولم يصله رجائي في أن يكحل كتابي الجديد·· فمن سيكتب مقدمته؟ قررت·· أن يكون عبدالرحمن منيف هو الكاتب! وسيكون هو نفسه في مقدمة من سيضمهم الكتاب، سواء بهذه الكلمة التي كتبتها اليوم أو بكلمات أخرى سأكتبها·· وبالمقدمة التي كحلت كتابي في جزئه الأول·· حيث سأعيد نشرها في هذا الكتاب باعتزاز وتقدير·
وعذراً منك يا من كانت بغداد جزءاًمن حبك الخالد وزهو أيام لم تنسها·· وكانت آخر كلمات قلتها لي ونحن نبحث عن لقاء خارج السفر···!
25/2/2004