أنت هنا

قراءة كتاب النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

يعالج هذا الكتاب مسيرة النقد الاوروبي منذ بداياته الاولى من عند اليونان الى نهاية العصور الوسطى، مما يوفر للقارئ منظوراً تاريخياً يمكنه من فهم تطور النظرية النقدية عند الغرب خلال فترة تناهز الالفي العام ويجعله في الوقت نفسه مدركاً للقوة المحركة من اراء وافك

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
ولعل من المناسب أن أذكر هنا أنني حَرَصْتُ على عدم الإطالة والتكرار في التفسير، وحاولت جاهداً أن يكون الشرح مختصراً وموجزاً ينفذ إلى جوهر المسائل النقدية المطروحة، ويبين الرأي النقدي في النص بوضوح ودقة وسلاسة· لقد كانت ملاحظات أرسطو فيما يتعلق بحسن الاختيار في الكل والجزء، وملاحظات لونجاينوس في حسن اختيار الكلمات ماثلةً أمام عيني· وأرجو أن أكون قد امتثلت لهاتين النصيحتين ونجحت في تجنيب القارئ الضجر والملل·
 
ويلاحظ قارئ هذا الكتاب، أن طبيعة الأدب وغايته وأهميته تشكل القضايا الرئيسية التي حظيت بعناية خاصة في هذا الكتاب· إن أهم مبرر لوجود النقد الأدبي، كما أرى، في أي زمان ومكان، كونه يساعد على فهم هذه القضايا، وبالتالي توضيح هدف العلوم الإنسانية ومبرر وجودها·
 
ولعل أهم ما يميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية أنها لا تقدم تحليلاً دون معاينة للجزيئات والتفاصيل، ولا توصف دون تقييم، ولا تقدم المجرد إلا ومعه العواطف والمشاعر والجوانب الإنسانية· ولهذا السبب فإن نقد العلوم الإنسانية يجب أن يكون إنسانياً كذلك· وليكون هكذا، يجب أن يكون مدركاً للقيم الإنسانية الأساسية وأن يدافع عنها ويظهرها كأمور أسمى من التجريد وأكثر رفعة· ومن ناحية أخرى، فلربما كان أهم مردود نحصل عليه من ممارسة النقد الأدبي (أو حتى من قراءته) هو أنه يثير فينا الرغبة في أن نفكر فيما نقرأ· وكلما قرأنا أكثر، تطورت ملكة التفكير لدينا وصقلت بطريقة تجعلها إحدى أهم أدواتنا للعيش في عالم مضطرب ومشوش، اختلطت فيه الرؤى واختلفت فيه الاتجاهات· وهذا ليس إنجازاً عابراً، ولكنه مكافأة وتشجيع لنا أن نستمر في طريق نستخدم فيه أفضل قدراتنا الإنسانية لتمييز الحقيقة من نقيضها· وكم كان الفيلسوف الناقد أرسطو مصيباً عندما فرّق بين ما أسماه الفنون المفيدة useful arts والفنون الجميلة fine arts · وتفريقه هذا مرتبط بالوسيلة التي يحقق كل منهما الهدف الأساسي للفن بعموميته، ألا وهو محاولة الإنسان إكمال عمل الطبيعة فالفنون المفيدة، مثل فن المعمار والطب والمهن والحرف الأخرى، تتعاون مع الطبيعة لاستكمال القدرات الطبيعية وتنفيذها لتلبية الاحتياجات العملية للإنسان· أما الفنون الجميلة فتتعاون كذلك مع الطبيعة ولكن عن طريق محاكاتها بشكل ينافسها ولكنه لا يختلف عنها ومعها· فالفنون الجميلة تكمل الحياة من خلال محاكاتها مما يساعد على توسيع الإدراك وصقل البصيرة وتطويرهما نحو الكمال· وهكذا يساعد الفن الإنسانَ على تحقيق غايته في معرفة الحقيقة؛ حقيقة ذاته وحقيقة العالم الذي يعيش فيه· وعن طريق هذه المعرفة يصبح الفرد إنساناً حراً· لقد كان صاموئيل جونسون (وهو أحد أعمدة المدرسة الكلاسيكية الجديدة في القرن الثامن عشر) مدركاً لهذا كله عندما قال إن الحرية وتحقيق الذات لا يتوافران إلا عندما يتكئُ الفرد براحة واطمئنان على ثبات الحقيقة (1)· نعم، لقد وفر لنا الأدب سبيلاً للحقيقة عن طريق رسم المثال وتقديم رؤى للكمال والثبات بحيث أصبح الإنسان ميدان البحث وغايته في آن واحد· أما النقد الأدبي فهو ولوج إلى داخل عالم الأدب المصنوع من الصور والكلمات والأحاسيس لكشف رحلة الإنسان وسعيه نحو الكمال· وهذه الغاية النبيلة تجعله فرعاً من أهم فروع المعرفة الإنسانية وأسماها·
 
وفي الختام، أرجو أن أتقدم بالشكر والعرفان إلى صديقي الأستاذ الدكتور محمد يوسف شاهين الذي يذكرّني باستمرار بأن لا أنسى البحث والتأليف في غمرة مشاغلي وتشعب مسارات حياتي· أما صديقي الأستاذ الدكتور عودة أبو عودة، المعروف بدقته ومهارته في اللغة العربية، فقد قام بتصويب لغة هذا الكتاب؛ فله مني صادق المودة والتقدير·

الصفحات