أنت هنا

قراءة كتاب النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

النظرية النقدية الغربية .. من افلاطون الى بوكاشيو

يعالج هذا الكتاب مسيرة النقد الاوروبي منذ بداياته الاولى من عند اليونان الى نهاية العصور الوسطى، مما يوفر للقارئ منظوراً تاريخياً يمكنه من فهم تطور النظرية النقدية عند الغرب خلال فترة تناهز الالفي العام ويجعله في الوقت نفسه مدركاً للقوة المحركة من اراء وافك

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
أولاً: المحاكاة الشعرية Mimesis
 
يقول أرسطو في صناعة الشعر إن هنالك سببين لبداية الشعر، كلاهما طبيعي ؛ الأول يكمن في المحاكاة التي هي ميزة مغروسة في الإنسان منذ الطفولة تميزه عن سائر الحيوان· فالإنسان يحصل على معارفه من خلال المحاكاة· أما السبب الثاني فيعود إلى أن المتعة واللذة كذلك يأتيان من المحاكاة· يقول أرسطو :
 
ويبدو أن الشعر نشأ عن سببين، كلاهما طبيعي· فالمحاكاة غريزة في الإنسان تظهر منذ الطفولة (والإنسان) يختلف عن سائر الحيوان في كونه أكثر استعداداًً للمحاكاة، وبالمحاكاة يكتب معارفه الأولية، كما أنه يجد متعة في المحاكاة· والشاهد على ما يجري في الواقع: فالكائنات التي تقتحمها العين حينما تراها الطبيعة تلذ لها مشاهدتها مصورةً إذا أحكم تصويرها، مثل صور الحيوانات الخسيسة والجيف· وسبب آخر هو أن التعلم لذيذ : لا للفلاسفة وحدهم، بل لسائر الناس أيضاً، وإن لم يشارك هؤلاء فيه إلا بقدر يسير· فنحن نُسَرُّ برؤية الصور لأننا نفيد من مشاهدتها علماً ونستنبط ما تدل عليه، كأن نقول إأن هذه الصورة صورة فلان· فإن لم نكن رأينا موضوعها من قبل فإنها تسرنا لا بوصفها محاكاة، ولكن لإتقان صناعتها أو ألوانها أو ما شاكل ذلك·(16)
 
تعدّ المحاكاة الشعرية واحدة من أهم الأفكار التي أتى بها أرسطو؛ ولعلها من أخطر المبادئ النقدية على مدى تاريخ النظرية النقدية الغربية· يرى أرسطو أن المحاكاة تعتمد على أمرين هما : 1) الحوار dialogue،( 2 المهارة الفنية craftsmanship· وهذان الأمران يجعلان العمل الأدبي نتاجاً يشبه الأصل المحاكى من جهة ويختلف عنه من جهة أخرى· وتمثيل الواقع فنياً ليس تصويراً فوتوغرافياً لهذا الواقع، ولكنه إنتاج جديد، له عالمه الخاص به المرتبط بقوانينه الداخلية والعلاقات بين أجزائه· أما الأشياء التي يحاكيها الأديب أو الفنان في الأصل المحاكى فهي القوى الفاعلة الناشطة النابضة بالحياة والحركة الدرامية فيه· وهذا يؤدي إلى إيجاد نظير فني مكافئ للأصل ولكنه مستقل عنه·
 
ولهذا السبب بالذات فإن الفن عند أرسطو هو تنظيم لجزيئات العمل الفني وربط محكم لها في تركيب واحد متحد يكون كل جزء فيه نابعاً مما أتى قبله ومتصلاً بما يأتي بعده· فالمحاكاة مهارة وصنعة وعملية خلق فني يؤدي إلى وجود عالم جديد يحتوي على حقيقة تختلف تماماً عن الحقيقة التي نعرفها ونألفها في الواقع الذي نعيشه· وهي، باختصار، حقيقة آتية من أعماق الانسجام والترابط في عالم فني تحكمه قوانين السببية والاحتمالية في عالم ما يجب أن يكون وليس عالم ما كان أو ما هو كائن·
 
إن مبدأ المحاكاة عند أرسطو ليس بالأمر السهل؛ ولابد أن نأخذ ما يلي بعين الاعتبار عند مناقشته :
 
1- يجب عدم الربط بين مفهوم المحاكاة عند أرسطو والمفهوم الذي ساد في عصر الكلاسيكية المحدثة Neo-Classicism التي اعتبرت الإنتاج الأدبي بمثابة صورة في مرآة تعكس الواقع الخارجي كما هو مائة في المائة (17)، أو المفهوم الذي ساد في العصر الرومنسي Romanticism من أن العمل الفني يعكس العالم الداخلي الجواني للأديب مثل النور المنبثق من المصباح·(18)
 
2- إن مفهوم أرسطو لمحاكاة الواقع فنياً لا يعني أبداً ما يطلق عليه في النقد المعاصر بالنظرية الواقعية Realism التي تعتمد على تراكم التفاصيل المأخوذة من واقع الحياة في العمل الفني· فالمحاكاة الأرسطية تُعنى بما هو دائم ومنظم ولا علاقة لها بما هو معزول وآني وفردي· ولهذا السبب يقول أرسطو إن الشعر عالمي وفلسفي أكثر من التاريخ الذي يُعنى بالتفاصيل التاريخية المتعلقة بما حدث·
 
3- إن المحاكاة الأرسطية مرتكزة على مبدأ الاختيار selection وترك التفاصيل التي لا علاقة لها بموضوع العمل الفني· وفي هذا السياق ليس من خيار أمام التاريخ إذا أريد له أن يكون عالمياً مثل الشعر إلا أن يتخلى عن التفاصيل التي لا علاقة لها بجوهر الموضوع الذي يتصدى له؛ وعليه أيضاً أن يركز على الارتباطات الداخلية بين أجزاء الموضوع بحيث تشكل بنائية متجانسة ومترابطة·

الصفحات