أنت هنا
قراءة كتاب ثورات بنكهة الفيسبوك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
المـثقف والربيـع العربـي
دون سواه من الناس الذين يفترض أنّه ناطق باسم عذاباتهم لا سيما في لحظات اصطدامهم مع الهرم السلطوي أو واحد من تناسلاته، فإن المثقف أو المبدع العربي عموما يجد نفسه في وضع حرج للغاية إزاء تحديد موقفه مؤيدا كان أم معارضا لأي قضية أو ثورة تندلع هنا أو هناك، ذلك أنَّ مسؤوليته تبقى مضاعفة حيال قضايا أمته التي تغفل في جزئها الكبير، أنَّ هذا المثقف ما هو في النهاية إلا مواطن عادي منبثق من نسيج مجتمعي متعدد المشارب والاتجاهات والأفكار، بغض النظر عن دوره أو مكانته وسط مكونات هذا النسيج، الذي وكأن أفراده ينظرون إليه على أنّه قديس منحازٌ انحيازاً فطريّاً لهموم الشارع والمواطن البسيط الذي لا يعترف بالضرورة، بحسابات السلطة المختلفة كليا عن حساباته المتفقة مع معاناته من عقلية العسكرتاريا الحاكمة لأي نظام سياسي، مجبرا بشكل أو آخر على المواءمة بين شروط اللعبة السياسية وبين حاجة الشعوب لتحررها من قيودها العديدة، وفي هذا المناخ، إذ فرضت نفسها بقوة مصطلحات سلطة الثقافة باعتبارها شرطا ضروريا لرقي الشعوب وتطورها، وثقافة السلطة التي يوصم تلقائيا بتبنيها والدفاع عنها كل مثقف ينحاز وفق رؤاه الشخصية لمبادئها وأفكارها، باعتبار هذا الأخير مواطنا قبل أنْ يكون شخصية عامة محط أنظار الجميع. ومن هنا وفي ظل ما سبق فإنَّ ثورات الربيع العربي سرعان ما أفرزت ما سمي بالقوائم السوداء التي ضمت أسماء الكثير من نجوم الفكر والأدب والفن المنحازة لسياسات أنظمتها في لجة جبروتها المستخدم بالتعامل مع حراك الشارع، الذي لم يقده شيء غير قهره ونفاد صبره جراء الاضطهاد والظلم الواقع عليه من أجهزة بلاده الرسمية، وهو الذي يعتبر في هذه الحالة أنَّ أي مثقف أفصح وقتها عن آرائه الشخصية فهو بالضرورة ضد ثورة شعبه، وبالتالي صار محل سخطه لا محالة من وجهة نظر راديكالية، لكن وبغض النظر عن تأويلات المسألة وتشابكاتها فإن الأصل بالمثقف العربي أو المبدع عموما أن يكون ندا أساسيا للعقلية العسكرية التي لا فكاك من أدواتها لأي نظام سياسي، وبالتالي فإن الشارع يصاب في كثير من الأحيان بخيبة أمل تلفها الدهشة أو الفجيعة، تجاه مواقف بعض مثقفيه ومبدعيه، لا سيما في غمرة غموض تعريف مثقف السلطة وثقافة السلطة آنفي الذكر.
ولا شك فإن ربيعنا ذاته ومنذ اندلاعه في شوارعنا زاخرا كان ولم يزل بعديد التصنيفات لشخصيات عامة بين من هو في خانة القوائم البيضاء، وبين من تم تسجيل اسمه بأحرف من غضب في تلك القوائم السوداء التي حددت أسلوب التعامل الشعبي مع منتسبيها منذ إعلانهم صراحة عن مواقفهم، وذلك دون هوادة مطلقا، وإلى ذلك فإن إشكالية نجوم الفكر والثقافة والفن تظل قائمة بينهم وبين جماهيرهم ولا حكم فيها سوى ضمائرهم، وبحسب المفكر اللبناني جورج قرم فإن "هناك أنماطا عديدة لعلاقة السلطة بالمثقّف تسوغها نوعية السلطة ونظام الحكم وموقفهما من الاستقرار الاجتماعي اللذين يهدفان إلى الحفاظ عليه من جهة، ومبادراتهما إلى تشجيع ودعم الإبداع والعلم والتقدُّم، مما قد يعرِّض الحكم إلى عدم الاستقرار، من جهة أخرى. وهذا يعتبر مدخلا أساسيا لإشكالية العلاقة بين السلطة والمثقّف".
وبعد فإنَّ المبدع بشكل عام والمثقف اليوم هما أكثر الناس عرضة للانتقاد إن لم نقل التخوين في ضوء إعلانهم مواقف سياسية مناهضة للأفعال الثورية التي أخذت على عاتقها تغيير ما لم تستطع تغييره ثقافتنا العربية العريقة، التي كانت ولم تزل تتحرك في فلك رقيب يعمل مخبرا لدى النظام، بوصف الأول يحارب في خندق غير خندقه.
18-12-2011