أنت هنا
قراءة كتاب ثورات بنكهة الفيسبوك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
نهايـة عادلـة
على ذلك النحو المفجع الذي تناقلته الفضائيات، فإن أحداً لم يكن ليتوقع أن تكون تلك نهاية "ملك ملوك" أفريقيا التي اختزلت خلال فترة مداهمته والقبض عليه، عذابات ومرارات بلغت حناجر الليبيين طيلة سنيّ حكم القذافي الطويلة، الذي يمثل نمطا فريدا للحكام المسكونين بجنون العظمة، ذلك الذي ما توانى من خلاله أن يحكم شعبا طيبا مسالما بأسلوب غريب ديدنه قهره وذلّه في واقع الأمر. ولعل مشاهد أسر القذافي ورغم ما نعرفه عنه، فقد أحزنتنا بعض الشيء سيما تلك الطريقة التي اقتيد بها على أيدي نفر من ثوار ليبيا الذين إنّما ثاروا على الظلم والتجبر الذي طالما مارسه نظام القذافي، وكأن الوطن الليبي ليس إلا شركة مساهمة محدودة لصاحبها معمر القذافي وأولاده.
وإذا كانت مثل تلك النهاية مؤلمة وخادشة لمشاعر أصحاب القلوب الضعيفة، الذين كأنهم تناسوا ما اقترفته يديّ القذافي وأفكاره المنبثقة عن شعور بالعظمة، فإن ما جرى لم يكن سوى نهاية حتمية لم تخرج عن قوانين الطبيعة التي تفترض أنَّ نهاية أي نظام متجبر في مشارق الأرض ومغاربها، يستحيل أن تكون بطرق هادئة أنيقة تحافظ على "برستيج" الطغاة حتى لحظاتهم الأخيرة، ذلك أنَّ ثورات المظلومين لا يمكن أن يكون دستورها الأبرز إلا غضبا يغذيه إحساس مرير جدا بالظلم والقهر معاً، ومن هنا فلا يحق لكائن من كان أن ينتقد الطريقة التي اقتيد بها معمر القذافي إلى حتفه حتى وإنْ كان زعيما لدولة يعاني شعبها من القهر ما يعاني، نتيجة لسلوك حاكم مغرور إلى حدّ لا يمكن تخيله.
وبغض النظر عن تحفظات البعض على ما شاهدوه من تفاصيل لنهاية القذافي، فإنَّ ثورة الفاتحين الجدد لليبيا جديدة ينبغي أن تحظى باحترام وتقدير من الجميع، سيما أولئك الذي تابعوا الثورة عن بعد مكتفين بتعليقات وتحليلات ارتدت ثوب النصح والإرشاد، في الوقت الذي لا يناسبهم فيه أبداً القيام بمثل هذا الدور، كونهم مارسوا دورهم المعتاد كمشاهدين لمجريات الثورة الليبية التي لم يعلم حقيقة تفاصيلها وحجم معاناتها إلا أهلها أنفسهم، وهم الذين عانوا ما عانوا قبل وأثناء الثورة، الذي لا يجوز لكائن من كان أن يتوجه ولو بكلمة انتقاد واحدة لكل ما جرى، إذْ إنَّ الفعل الثوري سواء الليبي أو غيره يبقى الرديف الأوحد لآليات العمل الدبلوماسي العربي، تلك التي أثبتت على مدى أعوام ولم تزل فشلها وعجزها عن رد الظلم ورفع سيوف القهر المسلطة على رقاب عباد الله. ذلك أنَّ أي ثورة شهدتها منطقتنا العربية إلى حد الآن لم تكن بتقديري، إلا لمجابهة تقصير بعض الدبلوماسيات العربية التي أرى أنَّ على جميع مؤسساتها تقديم استقالتها فورا، كونها عاجزة حقا عن إحقاق الحق كما ينبغي وكما كنا نأمل، كشعوب علقت آمالها طويلا، على الهمم الدبلوماسية العربية التي كادت تقنعنا أنَّ كافة حقوق الشعوب المقهورة سترد إليهم وستصلهم إلى أمكانهم، وعلى طريقة «الديلفري» كما يبدو، غير أنَّ شيئا من ذلك لم يحدث يوما فكان لا بد للقهر أنْ ينفجر في كافة الاتجاهات، وفي سياق ذلك لا ينبغي لدعاة الإنسانية أنْ يستهجنوا ما جرى لمعمر القذافي، الأمر الذي إنْ لم نكن معه فلسنا ضده في الوقت نفسه، وذلك كون الكبت والظلم يولدان الانفجار حتما، ذلك الذي يستحيل أن يتمكن أحد من تحديد اتجاهاته أو رسم آلية نموذجية لمهمته أو حتى وضع جدول أعمال له.
07-12-2011
الصفحات
- « first
- ‹ previous
- 1
- 2
- 3
- 4