إن القرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر تشريعنا، وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي المصدر الثاني. ومن هذين المصدرين يتلقى المسلم أكثر أحكام دينه: من عقيدة وشريعة وأخلاق.
أنت هنا
قراءة كتاب صور من صحابة رسول الله
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
وقال تعالى:
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى سورة الحديد /10.
أما الذين حكم الله سبحانه لهم بالحسنى، فهم الذين ذكرهم بقوله:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَلا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَلا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ... سورة الأنبياء / 101-103. قال ابن حزم:
(فجاء النص أن مَنْ صحب النبي ، فقد وعده الله الحسنى وقد نص الله تعالى: (إن الله لا يُخلف الميعاد) وصـح بالنص كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى، فإنه مبعد عن النار، لا يسمع حسيسها وهو فيما اشتهى خالد، لا يحزنه الفزع الأكبر وليس المنافقون ولا سائر الكفار من أصحابه عليه السلام)(4).
وقال تعالى:
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَوَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ سورة الحشر /8،9.
وهناك آيات كريمة كثيرة لا يتسع المجال لذكرهـا، تشـير إشـارات واضـحة إلى ثناء الله ورضوانه عن الصحابة.
وإذا يممنا وجوهنا شطر السنة النبوية رأينا العجب العجاب من ذلك الثناء العاطر من رسول الله على أصحابه. فمن ذلك المدح والثناء ما رواه البخاري ومسلم عن عمران بن حصين أن النبي قال:
(خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم –قال راوي الحديث عمران بن حصين-: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟ ثم إن بعدهم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن)(5).
وقال :
(يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم منْ صاحب رسول الله ؟ فيقولون لهم: نعم؛ فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: فيكم منْ صاحب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: فيكم منْ صاحب أصحاب أصحاب رسول الله ؟ فيقولون:
نعم؛ فيفتح لهم)(6).
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد؛ فقال النبي :
(لا تسبّوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه)(7).
هكذا يوجه الرسول الكريم خطابه إلى خالد ابن الوليد ونحوه بالنهي عن سب عبد الرحمن بن عوف وأمثاله؛ ذلك أن ابن عوف كان من السابقين الأولين الذين أسلموا قبل فتح مكة وقاتلوا: فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان.
يقول الإمام أبن تيمية –رحمه الله-:
(والصحبة اسم جنس تقع على من صحب النبي قليلاً أو كثيراً، لكن كل منهم له من الصحبة بقدر ذلك: فمن صحبه سنةً أو شهراً أو يوماً أو سـاعةً أو رآه مؤمناً فله من الصحبة بقدر ذلك ...)(8).
وقال :
(الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومنْ أبغضهم أبغضه الله)(9).
ودعا صلوات الله وسلامه عليه للأنصار فقال:
(اللهم أغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار)(10).
وقال :
(لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في
وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار)(11).
وقال :
(إنكم يا معشـر المهاجرين تزيدون وان الأنصار لا يزيدون، وإن الأنصار عَيْبَتي التي أويت إليها؛ أكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، فإنهم قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم)(12).
إن هذا الثناء العظيم من رب العالمين ومن رسوله الكريم على الصحابة، ليدل دلالة قاطعة على عدالتهم، وما أروع ما قرره محمد بن أحمد الحنبلي الشهير بـ(أبن النجار) حيث قال:
(إن مـن أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بهذا الثناء كيف لا يكون عدلاً؟ فإذا كان التعديل يثبت بقـول أثنين مـن الناس، فكيف لا تثبـت العدالة بهذا الثناء العظـيم من الله سـبحانه وتعالى ومـن رسوله)(13)
وقال أبن عبد البر وهو يتحدث في عدالة الصحابة:
(ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل
أكمل منه ...)(14).
وقال الخطيب البغدادي وهو يتحدث في عدالة الصحابة:
(ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له، فهم على هذه الصفة إلى أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط العدالة، وقد برّأهم الله من ذلك ورفع أقدارهم عنده ... هذا مذهب كافة العلماء ومنْ يعتدّ بقوله من الفقهاء)(15).