كتاب "كنزان من تحت عرش الرحمن كافيان"، ورد في السنة المطهرة أحاديث كثيرة تبيّن فضل هاتين الآيتين، وأنهما كنزان عظيمان من تحت عرش الرحمن، وتدفعان الشر والمكروه، وتجزئان القارئ لهما عن قيام الليل، وذلك لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالاً، وما تضمنتا
أنت هنا
قراءة كتاب كنزان من تحت عرش الرحمن كافيان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
سبب نزولهما
إن لنزولهما قصة تشد الأذهان، وتُوقظ الوسنان، وتُنعش الوجدان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (16)، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى عليه وسلم فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى عليه وسلم ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى عليه وسلم: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ (17) بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (18)، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا الله تَعَالَى، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قَالَ: نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قَالَ: نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قَالَ:نَعَمْ، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (19)، قَالَ: نَعَمْ(20)، وفي رواية أخرى(21) أنه تعالى قال: (قد فعلت) بدل (نعم).
لقد غَمّت المؤاخذة بالمخفيات أصحاب النبي صلى عليه وسلم غماً شديداً، وقالوا: يا رسول الله هلكنا، فإن قلوبنا ليست بأيدينا، كذا في فتح الباري(22)، وفي رواية الطبري(23) أنهم قالوا: ( إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا وما فيها وإنا لمؤاخذون بما تحدث به أنفسنا هلكنا والله).
صدق الصحابة الكرام، ومن سأل أصقاع الدنيا عن جهادهم وفتوحاتهم أجابتهم الجبال والسهول والقيعان، ونطقت المقامات الشريفة والآثار والجدر والبنيان بحقيقة الحال وعظيم الفعال، ناهيك عن صلاتهم وصيامهم وعبادتهم وزهدهم وورعهم، فإذا أُضيف إلى ذلك فقرهم وجوعهم عرفت شدة الحال وصبر الرجال، وكريم الخصال.