الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
مدخل تاريخي
يقوم القصر الملكي في عمان فوق رابية تشرف على منازل المدينة المجموعة إلى بعضها البعض، المكدسة في واد ضيق عند أقدام الرابية. وتحيط بالقصر أشجار الصنوبر، من كل جانب. وقد قامت وراءه، في هدأةٍ وادعة، على طرف الرابية، مقصورة من ثلاث غرف. وهنا، كان الأمير (الملك فيما بعد) عبدالله يحب أن يجلس ويعمل بمعزل عن الآخرين.
في صباح يوم مشمس من أيام نيسان 1939، رحت أمشي في الحديقة الصغيرة تحت عريشة الدالية المفضية إلى باب المقصورة، وإذا بضابط يستقبلني ويقودني إلى باب ينفتح على مدخل البهو، قائلاً:
- سَيِّدُنا في انتظارك.
كان الأمير عبدالله جالساً وراء مكتبه في مقره الخاص بالمقصورة. وقد أرسل في طلبي، على أثر استقالة الكولونيل ((بيك)) باشا الذي شغل منصب قيادة جيش الأمير، المعروف باسم ((الفرقة العربية)) لدى الإنجليز، منذ ظهرت دولة شرقي الأردن إلى الوجود، أي قبل سبع عشرة سنة وعُيّنتُ بديلاً عنه. وتراءى لي أن سموه مهتم بسفر ((بيك)) الذي خدمه طيلة تلك المدة.
قال، وهو يشير إليّ بالجلوس: ((أنت إنجليزي، وهذا قطر عربي، وجيش عربي، وقبل أن تتسلم زمام القيادة، أريد أن تقطع على نفسك عهداً أمامي، أنك طالما كنت في هذا المنصب فإنك ستتصرف دائماً كما لو كنت واحداً من أبناء شرقي الأردن، مولوداً فيه.
((إني أعرف أنك لا ترغب في مقاتلة مواطنيك، فإذا حدث أن وقع قتال بيننا وبين الإنجليز، فسأكون لك عاذراً، وسيكون في مقدورك أن تتركنا وتقف جانباً؛ ولكن إذا لم يحدث بإذن الله، شيء من ذلك، فإني أريدك أن تكون واحداً من أبناء شرقي الأردن)) .
وكان أن أجبته: ((سيدي! أعطيك كلمة الشرف: أنا من الآن فصاعداً ((شرقردني)) إلا في الظروف التي ذكرتها، والتي أرجو الله ألا تحدث أبداً)) .
الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها. وهو يؤثر في أوروبا وأفريقيا وآسيا، كما يتأثر بها، وهو أيضاً الجسر البري الأوحد إلى البر الأفريقي، وعلى أرضه ترعرعت الديانات الكبرى الثلاث: اليهودية والإسلام والنصرانية. وهو، لأنه اليوم بلد مسلم في المنزلة الأولى، تثير شؤونه اهتماماً حاراً لدى جميع المسلمين، أنّى وجدوا، من مراكش ونيجيريا إلى الصين والملايو. وليست بريطانيا هي التي كانت أول من اخترع أو فتح هذا ((الممر)) للتجارة، فقد تقاتل عليه أهل روما وفارس في العصور الأولى، وكان عظيم الأهمية في تلك الأزمنة كما هو اليوم. وينبغي لنا ألا نتصور أن هذه التجارة تفيد أوروبا وحدها، وبريطانيا أكثر من غيرها، فالتجارة دوماً ذات طريقين، وأن أقطار آسيا الجنوبية، وأستراليا والشرق الأقصى تنال من الفوائد ما لا يقل عما تناله أوروبا. قد يبدو أن الطموحات السياسية والعصبيات تطغى، لزمن يطول أو يقصر، على العوامل الاقتصادية، ولكن هذه العوامل تعود فتؤكد مكانتها عاجلاً أو آجلاً.