الشرق الأوسط هو بالضبط، محور العالم القديم ومركزه، تمر به أقدم طرق التجارة العالمية وأحفلها بالأعمال، ويصل أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا، كما يربط جنوب أفريقيا بمناطق الجنوب الآسيوي في أستراليا وجوارها.
قراءة كتاب غلوب باشا جندي بين العرب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
السؤال العملي المطروح اليوم هو ما إذا كان الصهاينة سيوفَّقون إلى ما أرادوا، لأنهم وقعوا في فخ يصعب التغلب عليه، إن لم يكن مستحيلاً، هو نشدانهم تحقيق أهدافهم وآمالهم عن طريق مختصر، أعني به استعمال القوة، فقد نسوا أن أولئك الذين يأخذون بالسيف معرضون للهلاك بالسيف. أتراهم قادرين على الاحتفاظ بأنفسهم غرباء في رأس شط ضيق من شطآن آسيا، لعشرين، أو لخمسين أو لمائة سنة من الآن فصاعداً؟ أم يقدِرون على الاستعراب وبذلك يضعون حداً لعداوة جيرانهم، دون أن يضحوا بميزات ((الأمة اليهودية)) التي يرونها هدفهم الأكمل للبقاء على وجه الدنيا؟
وموقف بريطانيا ليس أقل حرجاً، لأن الحزام العربي الممتد من بلاد فارس إلى مراكش، يقع عبر مواصلاتنا إلى الشرق، وفي طريقنا إلى إخواننا من أبناء أستراليا ونيوزيلندا؛ وبهذا تكون حرية الانتقال (الترانزيت) عبر الشرق الأوسط أمراً حيوياً لبريطانيا.
لو أن بريطانيا تقيدت بتنفيذ ما كانت قد وعدت به من ((النظر بعطف)) إلى الوطن اليهودي، دون أن تؤيده بقوة السلاح، لكان في مستطاعها الإبقاء على صداقتها التقليدية مع العالم العربي والإسلامي، التي تشكل عنصراً جوهرياً في تأمين مصالحها، ولو أن اليهود كانوا أكثر صبراً وأقل عدواناً لكان بإمكانهم أن يحققوا وطنهم الروحي في أورشليم، ويحتفظوا في الوقت ذاته بحقوق المواطنين في الأقطار الغربية حيث يمكنهم ممارسة حياة حرة وديمقراطية.
لقد جاء البلاء، إلى حد كبير، من تطبيق المفهوم الأوروبي للأمة الواحدة في البلد الواحد، ولو كان اليهود يريدون ((حصة)) في فلسطين، لاستطاعوا تأمين وطن قومي هناك دون إثارة بغضاء العرب العارمة؛ فإن استعمال القوة، في مثل هذه القضية، على نطاق واسع، يمكن تجنبه، وما كان العرب ولا اليهود على السواء، في حاجة إلى الوقوع في قبضة سلسلة لا تنتهي من أعمال العنف، ثم لا يملكون بعد ذلك تحطيمها والتخلص منها.
يستطيع المراقب الأجنبي أن يقدر الخوف الذي يساور اليهود على دينهم وثقافتهم من أن يتواريا نتيجة إغراقهم بالعناصر الأخرى، وقد يعتقد البعض أن ((عودتهم)) إلى فلسطين تصديق لنبوءة، بيد أنه ليس من الصواب في شيء أن نجعل من الخير الذي يمكن أن يقع، شراً واقعاً، فإن طرد مليون عربي من ديارهم وبلادهم لا يمكن أن يُبرر بأي اعتبار من الاعتبارات.