أنت هنا

قراءة كتاب للعمر صداه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
للعمر صداه

للعمر صداه

رواية "للعمر صداه" للكاتبة الفلسطينية د. انتصار خضر الدنان، نقرأ من مقدمتها:
ليست الحياةُ طريقاً واحداً تسير فيه الشعوب، وليس الموت أو الشهادة نهاية أجل الإنسان، إنما هناك إناسٌ كثر ميّتون وهم ما زالوا على قيد الحياة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
الخريف بكّر في القدوم إليها وما كان مفارقاً اختلاجاتها، وهزّات قلبها المتوتّرة دوماً. العمر خطّ فوق حاجبيها معالمه المؤلمة، والمشيب لوّح في رأسها خيوطاً كأنها خيوط دودة القزّ تتعرّج داخله وتلتمع؛ لترسم خيوط العمر المتبقي.
 
عائلتها عاشت تحت كنفها، هي الامرأة الّتي عملت دائماً لراحة تلك العائلة الصّغيرة بقلبها المفعم بالحزن الدّفين. تكاد تضحك، أو يلامس الضّحك ثغرها ليسعد الآخرين الّذين تضحّي من أجلهم بهناءتها وسعادتها، تداوي جرحها بهم، وتعلّل القلب بالصّبر والنّسيان لأجلهم، لكنّ الحبيب لم يغب يوماً عن بالها، يحرسها بكلّ خطواتها، ويمسح دمعة حزنها، وألم وجعها وتحسب أنّها تعيش له ومعه بكل لحظةٍ من لحظات حياتها، وبكلّ ارتعاشات قلبها المتواترة تدفّقاً بالحبّ، يعيش في حضنها الدّافىء، تستكمل مسيرة الحياة المريرة الصّعبة به.
 
لا تعلم كيف تبدأ نهاراتها، ولا كيف تنتهي، لكنّها في صباح يومٍ لئيم أفاقت على حدثٍ مفاجئ، حدث لم تكن أحداثه بحسبانها، أو لم يكن ببالها ما قد يحصل لها. فاجعةٌ أصابتها في الوريد وقتلت ما تبقى من الحياة، فتزيَنت جدران منزلها بالسّواد القاتم الّذي ما زالت تتزيّن به منذ ليلتها الأولى في منزلها الجديد. علّقت مجدّداً ستائر اليأس على نوافذها الّتي قد كانت ترقب من خلالها الأفق البعيد، تنتظر وعد يومٍ جديدٍ بالحرّيّة.
 
مجدّداً القدر أوقع لمساته السّحريّة على أيّامها الميتة "أمّ ٌ لطفلين" مازال الزّغب الطّريّ ليس مفارقاً جلدهما، وعودهما الطّريّ لم يشتدّ بعد، عودان طريّان قد تدوسهما الأرجل القاسية في زحمة الطّريق، وفي لهاث الحياة المرّة.
 
قام والدهما برحلته الأخيرة الّتي انكفأ خلفها، وطوى ملفات العمر، برحلته التي لن يعود بعدها أبدا حتى ولو بصاروخ الرّيح، فقد استراح راحته الأبديّة، وتركهما لقدرهما، تتماوج بأحلامهما السنون القاسية، وتركها مع موج الحياة تعاركها وتتعارك معها، تكسرها أحياناً وتجبر جرحها حيناً، تتجاذفها أمواجها المخيفة، وتناجيها كي تفتح لها ذراعيها.
 
عصفورة الدّار وقفت تناجي غصنها الرّطب، تحاور العمر المنتظر مع فرخيها اللّذين قست عليهما الدّنيا منذ بدء تفتحهما للحياة.
 
ماذا قال لها؟
 
- "أومأ لها بأن تحلّق فوق السّحب، فوق الهضاب، فوق العمر الّذي أقفل صفحاته، وأوصد ماضيه بسهم ألمٍ آخر دقّ بابها، ألم الغربة في وقتٍ تجمّعتِ النّاس فيه من حولها".
 
- ردّت عليه "وكيف تحلّق في الجوّ ولا تسقط، وهي لا تعرف الطّيران، والأجنحة ما زالت طريّة، ماذا تفعل؟"
 
بدا المشوار صعباً، وشاقّاً، أُوصدت الأبواب كلّها في وجهها، ولم تجمع من حطام الأيّام ما تسدّبه جوع طفليها الصّغيرين.
 
موسم الحصاد على الأبواب، والمدارس ستطرق بابها بعد وقتٍ قصيرٍ، وما من معين، قسا عليها الزّمن.
 
ما الحلّ؟
 
قرّرت البحث عن عمل وسط هامات الرّجال، تحصد بدمها رغيف خبزها وقوت أيّامها، وأحلام أطفالها: كتبهم، أقلامهم، ومحافظهم.

الصفحات