في بداية سنة 2009، شرعت في كتابة زاوية أسبوعية بجريدة الصريح التونسية، تحت عنوان من النافذة، كنت حريصا على تنويع مواضيعها من أسبوع إلى آخر...
أنت هنا
قراءة كتاب فيض الوجدان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
وينك يا صبادري غزالة (4)
أشياء كثيرة في حياتنا، قد تغيرت نحو الأفضل والأحسن... لكن يظل لتلك الأشياء البسيطة التي زينت وجملت حياتنا في سنوات العسر، وقع خاص في الذاكرة والوجدان... انه شيء رائع أن تتطور حياتنا نحو الأفضل ونعايش إيقاع الحياة المتسارع، ولكن ذلك لا يجب أن ينسينا بالضرورة أشياء أخرى جميلة تعايشنا معها لسنوات طويلة...
إلى سنوات قريبة كانت وسائل الإنارة في القرى والأرياف مثلا لا تتعدى الفوانيس البترولية الصغيرة أو القازة التي عوضت بدورها الكربيلة وعندما ظهر الفانوس البترولي الكبير الحجم أو ما يعرف بالبريميس احدث ظهوره ثورة كبيرة ونقلة نوعية في حياة الناس... وكانت العائلات تتسابق لاقتناء هذه الفوانيس محيلة الفوانيس الصغيرة الحجم على التقاعد... أما اليوم فقد اختفى نهائيا البريميس مثلما اختفت القازة والكربيلة والفتيل الزيتي بحكم تعميم شبكة النور الكهربائي في كل القرى والدشائر...
ومنذ أيام حدثني احد الأصدقاء انه عثر فجأة في إحدى المحلات التجارية بالعاصمة على بريميس فسأله عن ثمنه ليعلمه التاجر بان ثمنه لا يقل اليوم عن خمسة وسبعين دينارا...
وكلما عدت اليوم إلى قريتنا الصغيرة تذكرت أشياء كثيرة عايشتها في صباي مع الوالد رحمه الله ومنها محراث الجموسي الذي كان الوالد يستعمله في الحراثة بعد أن يشده بحبلين إلى صدر جملنا العجوز، ويقضي الوالد اليوم كاملا في حراثة الأرض بواسطة هذا المحراث العجيب الذي اختفى اليوم من حياتنا، بعد أن عوض بواسطة المحراث المجرور... وكان الوالد يقول لي «أن المحراث الجموسي يمتاز بدقة صنعه وقدرته على النزول إلى أعماق الأرض وبسهولة جره فلا يتعب الجمل» لكن أين المحراث الجموسي اليوم...؟!
ومازلت أتذكر بداية دخول الراديو إلى قريتنا في أواخر الستينات حتى لم يعد بيت واحد يخلو من جهاز راديو بوكردونة... ثم تبعته المسجلة من نوع فيليبس كبيرة الحجم، وقبل أن يصبح لكل عائلة جهاز الراديو الذي تمتلكه كان في قريتنا جهاز راديو وحيد من الحجم الكبير الذي يشبه الصندوق، وكان كل سكان القرية يأتون مساء إلى بيت صاحب الراديو للسهر على ما كان يقدمه المذياع من روايات وأسمار وأغان وحفلات المطربة صليحة...
انني أتسال أحيانا لماذا اختفت أشياء كثيرة في حياتنا بسرعة ولم وبتكريمها على ما أسدته لنا من خدمات في سنوات الشدة... هل ننسى مثلا حافلة بن دولة الشهيرة التي كانت وسيلة سفرنا الوحيدة من قريتنا إلى مدينة قفصة حيث كنا نتابع دراستنا الثانوية مازال وجه سائقها العجوز عم محمد الطيب مرتسما بملامحه الطيبة أما عيني إلى اليوم... عندما كنا نمتطي هذه الحافلة عائدين إلى قريتنا في بداية كل عطلة مدرسية...
أين صبادري غزالة اليوم... هذا الذي كنا نفاخر بامتلاكه أيام كنا تلاميذ في بداية السبعينات... قبل أن تغرق السوق اليوم بأنواع حديثة وجديدة من الصبادريات لا يقل ثمن الواحد منها عن مائة دينار... وينك يا صبادري غزالة عندما كنا نقتنيك بسبع مائة مليم فقط...!!