علينا أن نفهم ديننا كما فهمه محمد (ص) وأصحابه، إيمان وعمل، فلا دين بلا عمل، ولا عمل بلا إتباع لسنن الله وقوانينه في الكون، ولن تقوى امتنا ولن ترسخ دولتنا الا اذا أخذنا بأسباب القوة، وعملنا وفق قواعد فقه الأمة، لقد انشغلنا طويلا بفقه الأفراد ونسينا الفقه الذ
أنت هنا
قراءة كتاب مباحث في الفقه المنسي، فقه الأمة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
إننا بحاجة اليوم إلى تجاوز المصطلحات، فإنه (لا مشاحة في الاصطلاح) كما يقول العلماء، والعبرة في ديننا ليست للشكليات، بل للمضمون والجوهر، فقد كان القرآن الكريم والسنة الشريفة يعيبان دائما على من يتمسكون بالقشور، ويغفلون الحقيقة، قال : (إن الله لاينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم). ولدينا قاعدة فقهية تقول: (العبرة في العقود للنيات والمعاني، لا للألفاظ والمباني).، فإذا كانت العقود التي تشكل جانبا مهما من حياة الناس تنضبط بمثل هذه الضوابط، فكيف بمصطلحات لم ترد لا في القرآن المجيد أو السنة النبوية الشريفة، بل هي محض اجتهاد، اقتضته ظروف تاريخية معينة، وقد تغيرت هذه الظروف الآن، والقاعدة الفقهية تقول: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان والأماكن والأحوال).
إن القشريين يهدرون الأصول، ويهتمون بالفروع والشكليات، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يعول عليهم في بناء الأمم والدول والحضارات. هنا نريد أن ننبه بأن دعوتنا هذه لاتنطبق على مؤسسات تحمل الصفة الإسلامية، مثل المؤتمر الإسلامي، والجمعية الإسلامية..الخ وذلك لأن الأقليات لاحساسية لها ضد هذه المؤسسات، لأنها تمتلك نظائر لها سواءا بسواء، ولاتشبه هذه الحالة حالة الدولة متعددة الأديان.
الإسلام يدعو الى المدنية:
جاء في صحيح البخاري إن الصحابي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أراد الخروج ليسكن البادية في أيام الحجاج بن يوسف الثقفي، فقال له الحجاج: (يا سلمة، إرتددت على عقبيك،تعرّبت؟!) فقال سلمة: (لا، ولكن رسول الله أذن لي في البدو).، لذلك عد الفقهاء الإعرابية بعد الهجرة نقصا في دين الرجل يصل الى درجة الإرتداد عن الإسلام. من الواضح إن الإسلام بهذا التوجيه الشديد الجدية يحاول نقل الأعراب الى مجتمع المدينة الذي يعني الإستقرار والتمدن والحضارة والرقي، ولم يكن يقبل أن يبقى الناس يعيشون حياة غير مستقرة، كالتي يعيشها البدو حيث لاإستقرار ولاتعليم ولاحياة كريمة تليق بالإنسان الذي كرّمه الله، قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الإسراء: 70].
إن الدعوة الى المدنية التي أرادها الإسلام كانت أحد اللبنات الأساسية في بناء الأمة والدولة الجديدتين، فبعد أن كان العرب قبائل متناحرة لاتعرف من الحضارة شيئا ولو كان يسيرا، أصبحوا أمة ودولة لهما مقومات الأمة والدولة كأفضل مايكون، حتى إنهم أسقطوا أكبر إمبراطوريتين في مدة قياسية بما يقارب عقدين من الزمن وهذه معجزة كبيرة تبين مدى قوة ورسوخ الدولة الإسلامية الناشئة.
من الجدير بالذكر إن تسمية المدينة المنورة بهذا الإسم جاء بعد هجرة الرسول إليها فقد كان إسمها قبل الهجرة (يثرب)، إلا إن النبي سماها (المدينة) بعد هجرته إليها، وفي هذا دلالات عميقة دعت المسلمين الى الإنتقال الى المدنية في وقت مبكر، لذلك لايمكن لأحد أن يجادل في مدنية دين الإسلام وحرصه على بناء الأمة والدولة بكل مقوماتهما التي تفرز أمة ودولة قويتين.
منهج محمد في بناء الأمة:
من المعروف إن آيات القران الكريم بدأت بالنزول في مكة، وان هناك سورا مكية وسورا مدنية،أي إن النبي عندما قدم المدينة وكتب الصحيفة، كان القرآن لا زال يتنزل عليه دون انقطاع، لكنه عندما كتب هذا الدستور لم يقل: إن لدي قرآنا يتنزل عليّ يكفيني، وهو صحيفتي ودستوري، ولا حاجة لي بكتابة شيء جديد، لأن الرسول يعلم أن لوائح إنشاء الأمم وتنظيم المجتمعات أمر قابل للتغير، لذلك فسح القرآن المجال واسعا للمسلمين لتنظيم حياتهم، بطريقة تناسب زمانهم وأحوالهم، ومما هو لافت للأنتباه بشكل كبير، هو إن القرآن تحدث عن موضوع الأحوال الشخصية بعشرات الآيات وفصلها تفصيلا دقيقا، وذلك لأنها أمور ثابتة لايمكن أن تتغير، يقول تعالى في الآية11من سورة النساء: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) . وهكذا تستمر عشرات الآيات في التفصيل الذي لايبقي أي غموض أو شك، فالعبادات والأخلاق والقيم من الثوابت التي لاتتغير، بينما لم تذكر الشورى إلا في آيتين، الأولى: الآية 159 في سورة آل عمران: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ). والثانية هي الآية 38 من سورة الشورى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ). وذلك لأن آليات الشورى تدخل ضمن مساحة المتغيرات، التي تتغير بتطور الحياة وتغير الظروف، فالبرلمانات والمجالس التشريعية ومجالس الشورى وغيرها، كل ذلك من آليات الشورى، ومافعله الرسول الكريم يدفعنا إلى الإقتداء بفعله وتكييف الدساتير واللوائح بما يناسب طبيعة الحياة من دون تجاوز ثوابت الدين.