قراءة كتاب الدين والسياسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدين والسياسة

الدين والسياسة

كان السؤال الذي يشغل المواطن العربي والمسلم في نهاية القرن العشرين هو: ما رأي أئمتنا وشيوخنا الأفاضل ومجاهدينا من قادة الفصائل الإسلامية في قضايانا المصيرية، وأبرزها قضية الصراع العربي الإسرائيلي والحالة العراقية الكويتية، وغيرها من القضايا الهامة·

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
د· المسفر : الشيخ يوسف القرضاوي له مواقف مشهورة من منابر المؤتمرات المتعددة والمنتشرة سواء في أمريكا أو أوروبا أو في الوطن العربي وكذلك على منابر الجمعة في قطر وفي الندوات والمنتديات المتلفزة في المنطقة، الشيخ القرضاوي ومعه أيضاً مجموعة من قادة الفكر الديني يتحدثون عن كل مصائب العالم الإسلامي، عن نساء العالم الإسلامي وما يتعرضن له في البوسنة والهرسك والفلبين وفي جنوب شرق آسيا والشيشان، ثم يعرجون تعريجة بسيطة جداً على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، بالدعاء في آخر صلاة الجمعة أو في آخر الكلمات في المؤتمرات· وهناك مأساة أخرى فقد مضت أربع سنوات وشعب العراق بكامله يعيش تحت ظروف قاسية جدا، وتذكر احدى الإحصائيات أن 06 ألف طفل ماتوا حتى عام 4 9 9 1 نتيجة للحصار الظالم لأنهم بلا دواء· ولم نسمع أحداً من علماء الإسلام يتحدث عن مأساة هذا الشعب العظيم· والناس المحبون للشيخ القرضاوي لا يسمعون الكثير منه عن ذلك· هل هناك أسباب تكمن وراء هذا السكوت؟
 
الدكتور القرضاوي : بالنسبة لقضية فلسطين، اعتبرها القضية المركزية الإسلامية الأولى، هي قضية الصراع بيننا وبين اليهود في أرض النبوات وأرض المقدسات وأرض الإسراء والمعراج وأنا منذ وقت قريب كنت أتحدث عنها بمناسبة الإسراء والمعراج لأن الإسراء والمعراج دائماً يذكر بالمسجد الحرام والمسجد الأقصى والربط بين المسجدين وبين الحرمين· قضية فلسطين لا يمكن أن ننساها أو ان نعتبرها على الهامش· ولكن هناك قضايا تجِّد ، فلا نستطيع أن نهمل قضية الشيشان، فهناك دولة عظمى من الدول النووية الأولى تضرب هذا الشعب المسكين وتقصفه قصفاً بالطائرات والدبابات بدون داع، فكيف تريدون أن نسكت على مثل هذا الأمر؟ هناك أشياء تفرض نفسها· وبالنسبة لقضية العراق، كنت ممن وقف ضد غزو الكويت قطعاً، والعراق كان معتدياً في هذا، ولكن ليس معنى ذلك أن يظل العداء هذا أبد الدهر· العراق انسحب واعترف بالكويت رسمياً ولماذا تظل العقوبات على هذا الشعب؟ وليس العراق كله صدام حسين، وكما ذكرت أنت فهناك شعب كامل يعاقب· الذي نقوله أن الغرب لا ينظر إلينا نحن العرب والمسلمين كما ينظر إلى سائر الشعوب· انه ينظر إلينا نظرة أخرى· ومن هنا جاء موقفه من العراق· ومن أجل هذا يقف موقفا متشددا مع ليبيا والعراق والسودان وإيران· نحن ندعو أن ترفع هذه المعاناة عن الشعب العراقي الشقيق فهو منا ونحن منه· اختلفنا معهم فترة من الزمن ولكن لا يظل هذا يحكمنا أبد الدهر لقد انتهى ما اختلفنا عليه وهو احتلال الكويت، ويجب أن تعود المياه إلى مجاريها ويعود الصوت العربي إلى الوحدة ويقف الجميع صفاً واحداً· نحن شعب واحد وعقيدة واحدة وأرض واحدة ومصير واحد والآم واحدة وآمال واحدة ولا بد ان يحس بعضنا ببعض كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر·
 
د· المسفر : منذ حرب الخليج أو حرب الكويت بالذات، تعددت الفتاوى الإسلامية، البعض أيد الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت من العراق والبعض رفض· في الأيام الحالية جدت فتاوى أخرى بالتعامل مع الإسرائيليين أو ما يسمى بالسلام مع إسرائيل· هناك فتاوى كثيرة من دمشق وعمان والرياض· لو توجد آلية أو هيئة عليا تختص بإصدار الفتاوى هذه، دون أن يكون لكل إنسان الحق في الإفتاء، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل هذه القضايا السياسية؟
 
الدكتور القرضاوي : المؤسف قطعاً أن هناك فتاوى متضاربة وهذا غير مقبول، وخصوصاً في القضايا الكبرى· أما في القضايا العادية، قضايا الفقه العادي وقضايا العبادات وما يختلف حوله الناس، فهذه أمور لا خلاف على الاجتهاد فيها، والمسلمون عرفوا من القديم شدائد بن عمر، ورخص بن عباس، واحد متشدد وواحد متسامح· إنما في القضايا الكبيرة التي تحدث البلبلة· لكن ليس من السهل تكوين مجمع أو هيئة عليا للفتوى، فالسؤال المطروح: من الذي يكوِّن هذا المجمع الذي تتحدث عنه؟ هل تكونه الحكومات؟ هناك مجامع موجودة وأكبر مجمع هو مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إنه مجمع يمثل الدول الإسلامية، كل دولة لها ممثل واحد، هذا الواحد ليس هو أفضل العلماء في بلده وإنما قد يكون أقرب واحد إلى وزير الأوقاف أو وزير الشؤون الدينية، ولعله يكون في دولته من هو أفضل منه وأكثر منه علماً· إن هذا المجمع لا يمثل كل علماء المسلمين أو أغلبهم وما يصدر عنه من فتاوى لا يمكن اعتبارها تمثل الإجماع، ثم إن هناك ضغوطا أو مؤشرات شئنا أم أبينا· الدولة التي تنفق على هذا المجمع قد يكون لها رأي، إذن، ليست هناك حرية كاملة للعمل· هذه الهيئة قد تصلح لو دعونا إلى مجمع حر بعيد عن تأثير السلطات المختلفة، ليس لأحد سلطان عليه· لكن أين سيكون مقره؟ أي دولة إسلامية ستقبل أن تستضيفه دون أن يكون لها تأثير على أعماله؟ ومن أين يكون تمويله؟ هذه القضايا يجب أخذها في الاعتبار ·
 
أما الفتاوى فدع كلا منهم يجتهد ويرد بعضهم على بعض ثم يتبين الحق من الباطل· والخلاف في هذه القضايا قد يكون أحياناً ناتجا عن عدم وضوح الحكم الشرعي وقد يكون أحياناً أخرى ناتجا عن عدم فقه الواقع، قد يقول عالم ان ربنا يقول {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الأنفال : 16 · هل اليهود في فلسطين يعتبرون جانحين للسلم؟ هؤلاء الذين اغتصبوا الأرض وشردوا أهلها، هل هم أهل للسلام؟ الواقع هنا ليس واضحاً لمن أفتى بالجنوح للسلم· وهناك من قال أن الرسول عليه السلام هادن قريشاً وقبل الهدنة معهم، والسؤال: هل ما حدث مع إسرائيل هو مجرد هدنة أم هو اعتراف كامل بأنها صاحبة السيادة على هذه الأرض وأن أصحابها الفلسطينيين ليس لهم حق فيها ولا حق المطالبة بها؟ إن الاعتراف شيء والهدنة شيء آخر· هنا نستدعي فقه الواقع، فنحن نخالف العلماء الذين أفتوا في هذا، في أنهم لم يفقهوا الواقع كما نفقهه· من أجل هذا نختلف معهم·

الصفحات