كان السؤال الذي يشغل المواطن العربي والمسلم في نهاية القرن العشرين هو: ما رأي أئمتنا وشيوخنا الأفاضل ومجاهدينا من قادة الفصائل الإسلامية في قضايانا المصيرية، وأبرزها قضية الصراع العربي الإسرائيلي والحالة العراقية الكويتية، وغيرها من القضايا الهامة·
قراءة كتاب الدين والسياسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الدين والسياسة
الصفحة رقم: 2
1- فضيلة الشيخ أ· د· يوسف القرضاوي
مدير مركز بحوث السيرة والسنة ـ جامعة قطر
الإسلام والغرب : صراع أم تعاون، أم ماذا ؟(1)
د· المسفر : فضيلة الشيخ يوسف، هموم العرب والمسلمين، كما تعلم، كثيرة، وهناك أعداء يتربصون بهذه الأمة بعضهم من الداخل والبعض الآخر من الخارج· ولكن أستأذنك في الإشارة إلى أن الكثير من قادة الفكر الديني في عصرنا أكثروا من الحديث عن العلمانية والعلمانية (بفتح حرف العين أو بكسره) ومصدر معرفة معظمهم عن هذا المصطلح تعود إلى ما يكتبه بعضهم، ومعظمهم لا يعود إلى مصادر المعرفة في آداب عصر النهضة وتاريخها ليتبين مفهوم ذلك المصطلح وجذور نشأته· بعض الفقهاء في عالمنا الإسلامي يُعَرِّف العلمانية بالإلحاد رغم إنها اقتصرت على فصل الدين عن الدولة ولم يفصل الدين عن المجتمع والحياة· الفصل الأول ممكن وضروري وحققته المجتمعات الأوروبية، الفصل الثاني وهم لسبب واحد هو أنه لا أحد يملك حق فصل الدين عن المجتمع· إذا كنت تتفق معي في هذا القول، فلماذا هذا الخلط وهذه المعارك المصطنعة والتي هي عندي لا تزيد عن محاولات إلهاء العالم الإسلامي بخلافات جانبية؟
الدكتور القرضاوي : لقد بدأت بهذا الهم الأول من هموم المسلمين وما أكثر همومهم، وقد قال الشاعر قديماً :
ولو كان هماً واحداً لاتقيته
ولكنـه هم وثان وثالـث
إن مسألة العلمانية (بكسر حرف العين أو فتحه) هي مثار خلاف في المصطلح وخاصة القائلين بالعلمانية (بفتح حرف العين أو بكسره)، لأن الذين ترجموا هذا المصطلح من اللغة الفرنسية أو الإنجليزية كانوا يقصدون أن العلم مقابل الدين والعلمانية مقابل الدينية، هكذا في الفكر الغربي · هذه العلمانية دخيلة علينا نحن المسلمين· كان لها مبرراتها عند الغرب، كان هناك كهنوت متحكم في المجتمع، وكانت الكنيسة تتحكم في الحياة ووقفت مع الجهل ضد العلم ومع الجمود ضد التحرر ومع الملوك ضد الشعوب وكانت محاكم التفتيش·
لقد مس الغرب المسيحي نفحة من الشرق الإسلامي من خلال لقاءاته بالمسلمين في الأندلس وصقلية وغيرها من الأمصار، فبدأ الغرب ينهض ويستيقظ وينقل عن المسلمين وبدأ يحدث هذا الصراع فكانت النتيجة أنه لابد أن ينتصر أحد التيارين تيار العلم والعدالة والتحرر والتفكير والاختراع أو تيار الجمود والظلام، فانتصر التيار الأول على التيار الثاني الذي كانت تمثله الكنيسة في ذلك الزمان، وثار الناس على هؤلاء وقالوا فيما نقل عنهم اشنقوا أخر ملك بأمعاء آخر قسيس وتفاقمت الثورات التي لا تبقي ديناً ولا فكراً ·
نحن في العالم الإسلامي لسنا في حاجة إلى هذا· لا يوجد عندنا صراع بين العلم والدين، لا يوجد عندنا صراع بين الفكر والعقيدة، بل العلم عندنا معشر المسلمين دين والدين عندنا علم، لأننا أمرنا بطلب العلم، حتى علوم الدنيا اعتبر جمهور العلماء تعلمها وإتقانها فرض كفاية (طب ، هندسة ، الخ)· لا يوجد عندنا ما هو عند المسيحية التي تقول: اعتقد وأنت أعمى أغمض عينيك ثم اتبعني · عندنا، إيمان المقلد لا يقبل ، يقول الحق {هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة:1 1 1 ، { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِمْ} الروم : 8 {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} سبأ : 64· ولذلك كانت حملة القرآن الكريم على الظنون: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} النجم: 82 وعلى إتباع الأهواء: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ا} ص: 62 وعلى التقليد: {قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} الزخرف : 32· ليس عندنا نحن المسلمين ما كان عندهم، ولذلك هذه قضية مستعارة ولسنا في حاجة إليها· أما فصل الدين عن الدولة وعن المجتمع وعن الحياة، فالمسيحيون ليست عندهم شريعة· المسيحية هي عبارة عن عقائد ومواعظ وأخلاقيات· ليس عندهم شريعة حاكمة مفصلة لشؤون الحياة كشؤون الأسرة وشؤون المجتمع والدولة والاقتصاد·· إلخ· ليس عندهم هذه الشريعة، أما نحن فلدينا شريعة فيها عبادات ومعاملات وقيم ونظم ونحن مأمورون بتحكيمها وإن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك· ومن هنا نقاوم العلمانية إذا كانت بهذا المعنى· فإذا كانت العلمانية بمعنى إتباع العلم والعقل، فهذا نرحب به بل نحن مأمورون به ، أما إذا كانت العلمانية تعني أن الدين لا علاقة له بالمجتمع ولا علاقة له بالحياة فهذا مرفوض لأن ديننا له علاقة بكل مقومات الحياة، ولهذا يتوجب علينا معرفة لماذا نقاوم العلمانية بهذا المعنى الذي هو مفروض علينا وهو دخيل علينا ولسنا بحاجة إليه·