قراءة كتاب الدافعية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدافعية

الدافعية

انقضت سنوات عديدة على صدور آخر مؤلف لي، ومنذ ذلك الحين بدأت تراودني وتعاودني الأفكار حول الموضوعات التي يجب أن أكتب بها، وحقيقةً تبين لي كلما ازدادت احتفالات عيد الميلاد الشخصي، وزاد الإنتاج الأدبي كلما نضجت الأفكار وأينعت المساهمات الفكرية السابرة، وتكشفت

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 10

الفصل الثاني

نظرية العزو

اتجاه العزو

لنفترض أنك تمتلك مصبغة وتميز خدمات المصبغة بتوصيل الملابس إلى المنازل وأن موظف إيصال الملابس ترك العمل، وأنت تحاول إحضار شخصاً ليحل محله، لديك مرشحين للوظيفة يبدوان بصورة جيدة، باستثناء أن كل واحد منهما قد تسبب بحادث سير ثانوي في السنة الماضية.
ماذا ستفعل؟ سيكون اندفاعك نحو محاولة تحديد أسباب كلا الحادثين، إلى ماذا يمكن إعزاء هذين الحادثين؟ افرض أنك وجدت أن أحد الحادثين كان بسبب أحد طالبي الوظيفة (اجتاز الإشارة الحمراء وصدم حافلة) بينما سبب الحادث الآخر هو الحظ السيئ (أن فرداً آخر اجتاز الإشارة الضوئية وصدم طالب الوظيفة)، فعندما تقوم بشكل واضح بعمل تلك الإعزاءات، أو بتقييد هذه الأسباب، سوف تعرض الوظيفة للشخص الثاني.
نشاهد في هذا المثال أننا مدفوعون لإيجاد أسباب للأحداث التي تدور حولنا، وتستطيع تلك الاستدلالات «inferences» المتعلقة بالأسباب التأثير في سلوكنا المستقبلي، ويستند سلوكنا على عمليات الاستدلال (الاستنتاج) كما تتواجد هذه العمليات التي يتم فيها استنتاج الأسباب في صميم نظرية العزو.
ولا تعد تلك عملية نادرة أو غير عادية، فبناءً على نظرية العزو، نحن نقوم بذلك طوال الوقت، نحن لا نقوم فقط بعمل استدلالات متعلقة بالأفراد الآخرين مستندة على سلوكهم، ولكننا نقوم كذلك بالاستدلالات عن أنفسنا.
على سبيل المثال، لنفترض أنك قمت بالإساءة لشخص ما وجرحت شعوره، ثم تساءلت لاحقاً لماذا فعلت ذلك؟ هل كان ذلك كونك شخص بذيء؟ أم كان ذلك ناتجاً فقط عن «يوم سيئ» ومن المرجح أن لا يحدث ذلك مرة أخرى؟ أم كان بسببك (أنت شخص هادئ جداً وطبيعي) حيث دفعك لذلك شخص بغيض آخر؟ يمكن وبشكل قوي أن يتأثر سلوكك المستقبلي بشكل واضح بتلك التفسيرات المتعلقة بالبدائل التي قمت باختيارها، واعتماداً على استنتاجاتك، يمكنك أن تنهي الموضوع باعتذار أو أن تقوم بتوبيخ الشخص الآخر.
عندما نقوم بعمل استدلالات عن أفكار الآخرين واحتياجاتهم وأمنياتهم ورغباتهم، فإننا نقوم بعمل ذلك استناداً على معلومات محددة وبعض الأحيان غامضة، فكل ما لدينا هو سلوك ظاهر، نحن لا نستطيع اختراق داخل رؤوسهم ومشاهدة ماذا يحدث هناك بشكل دقيق، وكنتيجة لذلك نقوم بارتكاب الأخطاء في عملية العزو هذه، وما يجب أن نعرفه، أن بعض هذه الأخطاء مصنفة ومتوقعة.
تفترض نظرية العزو ما يلي:
أولاً: أننا مدفوعين لتحديد الأسباب.
ثانياً: أننا نعزو سلوكنا وفقاً لتلك الاستدلالات.
ثالثاً: توجد مبادئ عامة وقوانين ترشدنا خلال تلك الإعزاءات.
لا تعتبر هذه العمليات عشوائية وفوضوية وغير قابلة للتنبؤ، بل هي قانونية ومنظمة وضمن قدرات فهمنا. وبالرغم من المضي كثيراً في الوقت والجهد في محاولة تحديد أسباب الأحداث في العالم، إلا أنا لا نعمل ذلك دائماً، فنحن لا نساءل بشكل مستمر، لماذا يستمر شعري بالنمو؟ أو لماذا يحب الأفراد مشاهدة مباريات كرة القدم؟ يبدو علينا بعض الأحيان أننا مندفعين لتحديد الأسباب، ويبدو علينا في أحيان أخرى عدم المبالاة، ولم يتم التوصل لهذه الأسباب بصورة كبيرة من قِبَل الأبحاث، ولكن تم التوصل إلى بعض الأفكار الأولية بخصوص هذا الأمر، فعلى سبيل المثال، إذا حدث أمر ما غير عادي وغير محتمل إحصائياً، فعندئذ يصبح اندفاعنا لتحديد الأسباب مستثاراً، وإذا عبر شخص عادي الشارع فنحن لا نتساءل لماذا؟ ولكن إذا عبر نفس الشخص الشارع عارياً تماماً، فإننا نبدأ على الفور بمحاولة تحديد أسباب السلوك غير المتوقع «هل هو شخص مريض عقلياً؟» هل هذه مزحة؟
تبدو هذه الأحداث السلبية والغير مرغوبة مثيرة لاحتياجاتنا للبحث عن الأسباب، فقد يمضي الفرد المصاب بالسرطان ساعات طويلة في المكتبة ليتعلم عن هذا المرض، قد يبحث زوجان يعانيان من مشاكل زوجية عن مساعدة متخصصة لاستخلاص جذور المشاكل وتحديد لب مصادرها، والطفل الذي لا يتمكن من الانضمام لحلف صغير قد يحاول معرفة سبب ذلك.
وقد يدفع التشكك بخصوص المستقبل الأبحاث لمعرفة الأسباب، وقد يبحث التلميذ الذي قبل في كلية ما من فهم الخصائص المميزة للمدرسة وكيفية تأثيرها عليه مستقبلاً، بعبارة أخرى، عندما يكون للأحداث تأثير سيئ أو يمكن أن يكون لها تأثير شخصي على حالة سعادتنا، فعندها يبدو علينا الاندفاع لفهم الأسباب وراء الأحداث.

الصفحات