بعد أن ألف الغزالي " مقاصد الفلاسفة " شرح فيها أقوال الفلاسفة خاصة ابن سينا والفارابي، ألف هذا الكتاب ليبين المسائل التي ليس الخلاف فيها بين العقيدة الإسلامية والفلسفة لفظياً بل ما يسبب بدعة أو كفراً، وقد ناقش عشرين مسألة مثل أزلية العالم وأبديته والاستدلال
أنت هنا
قراءة كتاب تهافت الفلاسفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
مسألة في إبطال قولهم بقدم العالم
مذهب الفلاسفة
تفصيل المذهب: اختلفت الفلاسفة في قدم العالم. فالذي استقر عليه رأي جماهيرهم المتقدمين والمتأخرين القول بقدمه وأنه لم يزل موجوداً مع الله تعالى ومعلولاً له ومسوقاً له غير متأخر عنه بالزمان مساوقة المعلول للعلة ومساوقة النور للشمس، وأن تقدم الباري عليه كتقدم العلة على المعلول، وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان. وحكي عن أفلاطن أنه قال: العالم مكون ومحدث. ثم منهم من أول كلامه وأبى أن يكون حدث العالم معتقداً له. وذهب جالينوس في آخر عمره في الكتاب الذي سماه "ما يعتقده جالينوس رأياً" إلى التوقف في هذه المسألة. وأنه لا يدري العالم قديم أو محدث. وربما دل على أنه لا يمكن أن يعرف وأن ذلك ليس لقصور فيه بل لاستعصاء هذه المسألة في نفسها على العقول، ولكن هذا كالشاذ في مذهبهم وإنما مذهب جميعهم أنه قديم وأنه بالجملة لا يتصور أن يصدر حادث من قديم بغير واسطة أصلاً.
اختيار أشد أدلتهم وقعاً في النفس
إيراد أدلتهم. لو ذهبت أصف ما نقل عنهم في معرض الأدلة وذكر في الاعتراض عليه لسودت في هذه المسألة أوراقاً، ولكن لا خير في التطويل. فلنحذف من أدلتهم ما يجري مجرى التحكم أو التخيل الضعيف الذي يهون على كل ناظر حله. ولنقتصر على إيراد ما له وقع في النفس، مما لا يجوز أن ينهض مشككاً لفحول النظار، فإن تشكيك الضعفاء بأدنى خبال ممكن.
وهذا الفن من الأدلة ثلاثة: الأول يستحيل حدوث حادث من قديم مطلقاً قولهم يستحيل صدور حادث من قديم مطلقاً، لأنا إذا فرضنا القديم ولم يصدر منه العالم مثلاً فإنما لم يصدر لأنه لم يكن للوجود مرجح بل كان وجود العالم ممكناً إمكاناً صرفاً، فإذا حدث بعد ذلك لم يخل إما أن تجدد مرجح أو لم يتجدد، فإن لم يتجدد مرجح بقي العالم على الإمكان الصرف كما قبل ذلك، وإن تجدد مرجح فمن محدث ذلك المرجح؟ ولم حدث الآن ولم يحدث من قبل؟ والسؤال في حدوث المرجح قائم. وبالجملة فأحوال القديم إذا كانت متشابهة فإما أن لا يوجد عنه شيء قط وإما أن يوجد على الدوام، فأما أن يتميز حال الترك عن حال الشروع فهو محال.