أنت هنا

قراءة كتاب محجبات ولكن؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محجبات ولكن؟

محجبات ولكن؟

لفت نظري كغيري ممن يرى ويسمع بعض الظواهر السلبية في حياتنا فكانت هذه الكلمات التي هي في الأصل مقالات نشرت بعضها في جريدة الدستور وبعضها في جريدة اللواء .

تقييمك:
5
Average: 5 (4 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2

كرنفال الصيف وفلسفة اللباس

علاقة الإنسان باللباس قديمة ترجع إلى بدء الخليقة، وقد قص علينا القرآن الكريم ما كان عليه آدم وزوجته عليهما السلام قبل أن يأكلا من الشجرة ، فقد كانا مستوري الجسم ( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف:22] .
وحين حدثنا القرآن الكريم عن اللباس ذكرنا بقصة أبينا آدم وزوجته وربط كيد الشيطان المتجدد بكيده الأول ، فالكيد ثمرة العداوة التي بدأت بالحسد وامتدت مع الذرية إلى يوم القيامة (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26].
فاللباس له غايتان : ستر العورة والزينة .
وقيل في معنى ( ريشاً ) لباس الزينة .
ولباس التقوى : الإيمان أو الحياء أو العمل الصالح.
ثم قال تعالى بعد ذلك (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:27].
فإذا كان الشيطان قد اتخذ من المعصية التي ارتكبها آدم وزوجه بإغرائه سببا لإخراجهما من الجنة ؛ فإنه بإغراء الإنسان بنزع الثياب في الدنيا يفتنه ويعدل به عن طريق العودة إلى الجنة ليكون من أصحاب النار .
وكم يجني المتحدثون عن اللباس على الحقيقة حين يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ولو صدقوا لنطقت فطرتهم بالحق الصراح ، وهو أن اللباس علامة دالة على الفكر والمعتقد ، وإشارة بينة على وجهة السلوك ومخبوء الخلق .
يقولون افتراء من عند أنفسهم : المهم الأخلاق ، والمهم السلوك ، واللباس قشور ، وكم من مستورة الجسد عارية النفس . ولو صدقوا مع أنفسهم ورجعوا إلى كلام الله – إن كانوا يؤمنون بالله وبما أنزل في كتابه – لرأوا أن القرآن حدثنا عن لباسين : لباس يستر الجسد و يبعد عن المرأة أعين السوء وخطرات السوء ، وسلوك السوء ممن في قلبهم مرض ، ولباس آخر هو لباس التقوى الذي يضبط السلوك ويقيم التوازن بين الظاهر والباطن .
إن من مشكلاتنا المعضلة في هذا العصر اختلاط المفاهيم وتجاور المتناقضات ووجود الحواجز والسدود بين المعتقد والسلوك والظاهر والباطن ، ولا أدري كيف تقف المرأة بين يدي ربها الذي خلقها في غرفة مغلقة وتصلي له وهي مستورة ، ولئن سألتها: هل تصلين لله بغير لباس ساتر للجسد كله لقالت لك : معاذ الله ، ولئن سألتها : لماذا؟ لقالت لك : لأنه يحرم أن أصلي بغير لباس ساتر.
وتعجب من هذه المستورة في صلاتها حين تفرغ منها فتتخذ من الزينة ألوانا ومن اللباس فتاناً ثم تخرج أمام عباد الله بلباس لا يرضى الله بل يفتن عباد الله . وتسألها عند ذلك! أحرام أن تصلي لله تعالى بغير لباس ساتر وحلال أن تخرجي أمام عباد الله بلباس فاتن ؟! فتسكت أو تجيب رادة الأمر إلى العادة والتربية التي نشأت عليها.
كيف تجمع المسلمة بين أمر الله لها بالحجاب ودعوته إياها إلى الستر من خلال هذا الخطاب الذي يوجهه إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59].
وقوله سبحانه :
(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
كيف يجمعن بين هذا الأمر ومنطق الحضارة الغربية الحديثة التي غزت الظواهر والبواطن وجعلت الشعار : ولا يخفين شيئا من زينتهن ، بالكشف المباشر أو اللباس الذي تكون فيه المرأة كاسية عارية كما قال الرافعي رحمه الله في وصف عروض الأزياء التي لم تعد مقصورة على صالات العرض بل امتدت إلى الشوارع والجامعات ومكاتب العمل :
"الفتاة تعرض الثوب ، والثوب يعرض الجسم والجسم والثوب معاً يعرضان الفتاة ".
إن عولمة اللباس التي نشاهدها في بقاع العالم تدل على طغيان الحضارة المادية المعاصرة ، وعلى تغلبها على القيم التي كانت تفرض الخصوصية لكل أمة في لباسها وأنماط معاشها ، وهو طغيان يجد من يروج له من الذين يتبعون الشهوات .. الذين يريدون أن يميل الناس ميلاً عظيما لتصبح الشهوات غاية الغايات ومحرك الإنسان في العلم والعمل ، وشغله الشاغل في الليل والنهار.
هل نستطيع أن نأخذ الأمر مأخذ الجد ونحن نرى في مطلع كل صيف ألوانا من اللباس أو ما يشبه اللباس أو مالا يستحق أن يسمى لباسا ، أو إن جاز أن يكون كذلك فهو مما ينبغي ألا تظهر فيه المرأة إلا لزوجها وعليها أن تستر نفسها إن لبسته حتى عن أعين محارمها .
هل يستطيع الآباء والأمهات أن يراجعوا ما هم فيه وما عليه بناتهم من لباس يدفعون ثمنه ويتلبسون إثمه ويجدون حسرة ذلك يوم القيامة ، وهم يدفعون به ببناتهم ليكن فرائس لأعين الناهشين حيث سرن وحيث ذهبن .
هل يقول قائل : إنك تبالغ في الأمر وتجعل اللباس قضية كبرى وهي دون ذلك .
لهؤلاء أقول : افتحوا أعينكم وانظروا ماذا يجري من حولكم وإلى سيول الشهوات والمثيرات التي تتدفق من كل صوب على جيل الشباب والفتيات الذين لا يجدون إلى الحلال سبيلا ويجدون في القيم الجديدة التي تبثها المسلسلات وأغاني" الفيديو كليب" يجدون قدوة يقلدها بعضهم ، ولا ينفع ندم حين تقع الفأس في الرأس ، إلا إذا وصلنا إلى مرحلة تخلى فيها بعضنا عن قيم العفة والشرف، وصارت العلاقة بين الشاب والفتاة طليقة من كل قيد إلا الرضا بين الطرفين ، ومعاذ الله أن نصل إلى هذه المرحلة التي يتحول فيها الإنسان إلى كائن آخر غير ما أراده الله تعالى له من وظيفة ومنزلة في هذه الأرض .

الصفحات